الجهر والاخفات من شمول حضارة الإسلام ودقتها أن التشريع الإسلامي تناول مسألة الصوت في سلوك الإنسان باعتبار ما لدرجات الصوت من أثر على النفس.
والجهر في اللغة هو الظهور والإعلان، تقول: جهر الشئ أي ظهر وبدأ، ورأيته جهرة أي عيانا، وجهر بالكلام وجهر الكلام أي أعلن به، وكلام جهر أي مرتفع، وجهر بصوته وجهر صوته أي رفعه فهو جهر ومجهر وجهوري الصوت (مقتطف من تاج العروس مادة جهر) والخفت والخفوت والخفات: ضعف الصوت وسكونه، تقول: خفت الرجل صوته وخافته وأخفته أي أضعفه، ومنه خفت الرجل أي سكن صوته ومات.
فالجهر بالصوت هو المبالغة في رفعه مثلا من درجة ستين إلى مئة، والاخفات هو المبالغة في خفضه مثلا من درجة عشرة إلى صفر. وما بينهما درجات معتدلة ليست بالأصل جهرا ولا إخفاتا وإن كانت كل درجة منها إخفاتا بالنسبة لما فوقها وجهرا بالنسبة لما دونها.
وكذلك لا بد من التمييز بين الجهر والاخفات في أصل اللغة، والجهر والاخفات النسبيين لأن المعنيين دخيلان في غرضنا.
ففي قوله تعالى مسجلا حكمة لقمان لولده عليهما السلام (واقصد في مشيك واغضض من صوتك. إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) 19 لقمان يعطي القرآن الكريم قاعدة عامة في أدب الحديث فينهي عن الجهر بمعناه اللغوي الأصلي رفع الصوت بدرجات عالية ويلفت إلى استنكار