ولما صار ملك الإسلام إلى الأمويين لم يستطيعوا التخلص كليا من واجبات الحاكم الإسلامي فاتخذوا مقصورات في المساجد يصلي فيها الخليفة وحاشيته، ثم من ورائهم في سعة المسجد يقف المسلمون. ثم أخذ الأمويون يتباطؤون عن الصلاة ويستخلفون عليها أخا أو أبا أو وزيرا.
ثم ملك العباسيون فمشوا على سنة الأمويين، ثم تباطؤوا عن الصلاة مع الناس وأخذوا يعينون أئمة لمساجد العاصمة والولايات، وربما خرج الخليفة أو حاكم الولاية إلى صلاة جمعة أو عيد فأحيط بالحرس والمراسيم حتى لا يصل إليه أحد.
ثم ملك المماليك والعثمانيون واكتفوا بأن تقرأ لهم في المساجد سلسلة الألقاب والمدائح والدعوات وهم معزولون عن الناس في قصورهم.
ثم آل الملك إلى حكامنا. فلم يتغير في الأمر شئ!
إن الوراثة لا تقلل من أمر هذه الجناية، وما على الحاكم المسلم إلا أن يستجيب إلى نداء الصلاة فيخرج من حجابه ويؤدي صلاته مع شعبه ويحتك بهم ويستمع إليهم ويفهم منهم، وحكام المحافظات والنواحي عليهم أيضا ما على الحاكم في العاصمة. فما من شئ يكسر من كبرياء الذات الأعمى ويمزق عن البصيرة غشاوة الرؤية للشخصية مثل العيش مع عامة الناس وأداء الصلاة معهم.
والحمد لله رب العالمين.