أما الوجود الخالق سبحانه وتعالى فلا يقاس به شئ (وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤده حفظهما).
الترابط بين الشهادة والغيب:
إن التقنين والترابط كما هو حقيقة سائدة في عالمنا المشهود وفي عوالم الطبيعة غير المشهودة كذلك هو حقيقة سائدة بين عوالم الشهادة والغيب أيضا.
(ما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما - إلا بالحق) 85 الحجر، فالطبيعة المشهودة والغائبة مركب كلي تترابط كافة أجزائه ببعضها وتتفاعل في ظل قوانين موحدة شاملة، وما مثل المشهود والغائب من الطبيعة إلا كمثل الجسد المنظور والنفس غير المنظورة فكما أنهما كيان مترابط موحد تتبادل أجزاؤه التفاعل في ظل قوانين موحدة، كذلك يؤلف المنظور وغير المنظور من الطبيعة كلا موحدا تتبادل أجزاؤه التفاعل. ومجرد عدم اكتشاف أبعاد هذا التفاعل لا ينفي واقعه كما أن عدم اكتشاف قانون الجاذبية وقانون ترابط الجسد والنفس لم يكن يلغي واقعهما ونتائجهما.
لقد قرر الإسلام هذا التلابس القائم بين الشهادة والغيب وأوضح لنا جوانب كثيرة من هذه العلاقة أهمها وأكثرها أثرا في حياتنا: علاقة سلوك أحدنا بتكوين نفسه للنشأة الثانية حيث يتقرر بموجب هذه العلاقة ظرف العيش الذي نؤهل له أنفسنا في عالم الجنة أو عالم النار.
ثم علاقة الملائكة بحياة الإنسان وهي علاقة واسعة.
ووقوع الإنسان بسوء سلوكه تحت تأثير الأشرار من الجن.
وعلاقات أخرى للطبيعة المنظورة بكلها غير المنظور، لسنا هنا بصددها.
أما عن علاقة الشهادة بالموجود غير الطبيعي عز وجل فقد أوضح الإسلام ذلك أشد إيضاح مؤكدا أن التلابس والتقنين أمر قائم بين الطبيعة وخالقها سبحانه وأن حقيقة وجود الطبيعة إنما هو وجود تعلقي متفرع عن المبدع الحكيم جلت قدرته وأنه يتمون في حركته التطورية التكاملية من المنشئ والمحيي الكامل الذات سبحانه.