وعفى موضع قبرها.
فلما نفض يده من تراب القبر، هاج به الحزن، فأرسل دموعه على خديه وحول وجهه إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال:
السلام عليك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) السلام عليك من ابنتك وحبيبتك وقرة عينك وزائرتك، والبائتة في الثرى ببقيعك، المختار الله فيها سرعة اللحاق بك، قل يا رسول الله عن صفيتك صبري، وضعف عن سيدة النساء تجلدي إلا أن في التأسي لي بسنتك، والحزن الذي حل بي لفراقك، موضع التعزي، ولقد وسدتك في ملحود قبرك بعد أن فاضت نفسك على صدري، وغمضتك بيدي، وتوليت أمرك بنفسي.
نعم، وفي كتاب الله أنعم القبول، إنا لله وإنا إليه راجعون، قد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة، واختلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء.
يا رسول الله أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمسهد، لا يبرح الحزن من قلبي أو يختار الله لي الدار التي فيها أنت مقيم، وهم مهيج، سرعان ما فرق الله بيننا وإلى الله أشكو، ستنبئك ابنتك بتظافر أمتك علي وعلى هضمها حقها فاستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا، وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين.
سلام عليك يا رسول الله سلام مودع لا سئم ولا قال، فإن انصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظني بما وعد الله الصابرين، الصبر أيمن وأجمل، لولا غلبة المستولين علينا، لجعلت المقام عند قبرك لزاما، والتلبث عنده معكوفا، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية، فبعين الله تدفن بنتك سرا ويهتضم إرثها جهرا، ولم يطل العهد، ولم يخلق منك الذكر، فإلى الله يا رسول الله المشتكى، وفيك اجعل العزاء، فصلوات الله عليها وعليك ورحمة الله وبركاته (1).