فعلت بتلك الدراعة التي كسوتك بها؟ قال: هي عندي في سفط مختوم، وقد احتفظت بها تبركا لأنها منك، قال الرشيد: إيت بها الساعة، وفي الحال نادى على بعض غلمانه وقال له: اذهب إلى البيت وافتح الصندوق الفلاني تجد به سفطا صفته كذا جئني به الآن، فلم يلبث الغلام أن جاء بالسفط ووضعه بين يدي الرشيد ونظر إلى الدراعة كما هي فسكن غضبه وأمر أن يضرب الساعي.
وهكذا كان الإمام الكاظم مع الرشيد في نفس المنزلة التي كان عليها مع سلفه المهدي مثيرا فيهما الخوف والفزع رغم سلبية الرجل وانقطاعه إلى الزهد، فأفقدهما شيئا من الاطمئنان ولكنهما أفقداه كثيرا من الحرية والاتصال بشيعته حتى كانوا لا يسندون الحديث إليه بصريح اسمه حفظا له وتقية أو خوفا من الظلم المسلط في ذلك العهد.
ومما أثر عن الكاظم أنه أرسل إلى الرشيد من سجنه: يا هارون ما من يوم ضراء انقضى عني إلا انقضى عنك في السراء مثله حتى نجتمع أنا وأنت في دار يخسر فيها المبطلون.
ومنهم الفاضل المعاصر المستشار عبد الحليم الجندي في " الإمام جعفر الصادق " (ص 372 ط المجلس الأعلى للشؤون الاسلامية، القاهرة) قال:
وجرى المهدي والرشيد في أثر أبي جعفر يهتدون به، ويدسون الجواسيس ليعرفوا من يجتمع إليه الناس بعد موت الإمام. سأل سائل موسى الكاظم فقال الكاظم:
إذا هدأت الرجل وانقطعت الطريق فأقبل. وسأله آخر فقال له: سل تخبر ولا تذع، فإن أذعت فإنه الذبح.
بل كان هشام بن سالم ينبه زملاءه الشيعة حتى لا يقعوا في حبائل أبي جعفر.
وظاهر من ذلك أن المجالس العظيمة التي كانت تنعقد في حياة الإمام الصادق، قد ولى زمانها.