وسمع جعفر هذه اللعنات طيلة صباه وجزء من صدر شبابه، حتى جاء الخليفة الأموي العادل عمر بن عبد العزيز فتبرأ إلى الله من هذا العار، وكان يحمل للإمام علي ابن أبي طالب ما يحمل لغيره من الخلفاء الراشدين الثلاثة من إجلال وتوقير. وأمر الخطباء أن يتلوا - بدلا من لعن علي في ختام خطبة الجمعة - الآية الكريمة التي ما زالت تتلى إلى الآن: (إن الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون).
وطابت نفس جعفر كما طابت نفوس الصالحين وأهل التقوى والعلم بما صنعه الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، وأعلن الإمام جعفر في مجلسه إعجابه بالخليفة عمر سبط عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وكان الإمام جعفر منذ رأى بطش الحكام بآل البيت وأنصارهم وبالباحثين عن الحقيقة وبمقاومي الاستبداد، كان قد أخذ بمبدأ التقية فلم يجهر بالعداء لبني أمية، اتقاء شرهم، وحذر للفتنة، وهم إذ ذاك غلاظ شداد على من لا يوالونهم.
فآثر أن يهب نفسه للعلم، وألا يفكر في النهوض والاقضاض على السلطان الجائر، حقنا لدماء المسلمين.
ورأى أن خير ما يقاوم به البغي هو الكلمة المضيئة تنير للناس طريق الهداية، وتزكيهم وتحركهم إلى الدفاع عن حقوق الانسان التي شرعها الاسلام وإلى حماية مصالح الأمة التي هي هدف الشريعة.
وكان قد تعلم من جده الإمام علي زين العابدين بن الحسين عن جده الرسول (ص) أن طلب العلم ونشره جهاد في سبيل الله، وأن الله تعالى جعل للعلماء مكانة بين الأنبياء والشهداء.
وكان قد رأى جده الإمام زين العابدين رضي الله عن يخطو في المسجد حتى يجلس في حلقة أحد الفقهاء من غير آل البيت، فيقول له أحد الحاضرين: غفر الله لك أنت سيد الناس. وتأتي تتخطى خلق الله وأهل العلم من قريش حتى تجلس مع هذا