ثم قال له الرشيد: وتربة آبائي وأجدادي إن لم تفسر لي ما قلت أمرت بضرب عنقك بين الصفا والمروة.
فقال له الحاجب: يا أمير المؤمنين اعف عنه وهبه لله تعالى لأجل هذا المقام الشريف، قال: فضحك الأعرابي من قولهما حتى استلقى على قفاه، فقال له الرشيد:
ممن تضحك؟ قال: عجبا منكما، فإن أحدكما يستوهب أجلا قد حضر، والآخر يستعجل أجلا لم يحضر.
فلما سمع الرشيد ما سمع منه هانت عليه الدنيا ثم قال: سئلتك بالله إلا ما فسرت لي ما قلت فقد تشوقت نفسي إلى شرحه.
فقال الأعرابي: أما سؤالك عما فرض الله علي، فقد فرض الله علي فروضا كثيرة، فقولي لك فرض واحد، هو دين الاسلام، وأما قولي لك عن خمسة فروض فهي الصلوات الخمس، وأما قولي لك عن سبعة عشر فهي سبع عشر ركعة في اليوم والليلة، وأما قولي لك عن أربع وثلاثين فهي السجدات، وأما قولي عن أربع وتسعين فهي التكبيرات، وأما قولي لك عن واحدة من أربعين فهي الزكاة دينار من أربعين دينار، وأما قولي لك عن واحدة في طول العمر فهي حجة في طول العمر على الانسان، وأما قولي لك عن خمسة ومأتين فهي زكاة الورق.
فامتلأ الرشيد فرحا وسرورا من تفسير هذه المسائل، ومن حسن كلام الأعرابي وعظم فطنته، واستعظمه في عينه.
ثم إن الأعرابي قال للرشيد: سئلتني فأجبتك، فإذا سئلتك أنا تجيبني؟
فقال الرشيد: سل. فقال له الأعرابي: ما يقول أمير المؤمنين في رجل نظر إلى امرأة وقت الصباح، فكانت عليه حراما، فلما كان الظهر حلت له، فلما كان العصر حرمت عليه، فإذا كان المغرب حلت له، فإذا كان العشاء حرمت عليه، فإذا كان الفجر حلت له، فإذا كان الظهر حرمت عليه، فلما كان العصر حلت له،