* فللحركة - اذن - تفسيران:
أما التفسير الديالكتيكي، الذي يعتبر المادة نفسها سببا للحركة، فالمادة فيه هي الرصيد الأعمق للتطور المتكامل. وقد فرض هذا على الديالكتيك القول، بأن المادة منطوية ذاتيا على الأطوار والكمالات، التي تحققها الحركة في سيرها المتجدد، والسر في اضطرار الديالكتيك إلى هذا القول، هو تبرير التفسير المادي للحركة، لأن سبب الحركة ورصيدها، لابد أن يكون محتويا ذاتيا على ما يمون الحركة ويمدها به، من أطوار وتكاملات، وحيث أن المادة عند الديالكتيك، هي السبب الممون لحركتها، والدافع بها في مجال التطور... كان لزاما على الديالكتيك ان يعترف للمادة بخصائص الأسباب والعلل. ويعتبرها محتوية ذاتيا على جميع النقائض التي تتدرج الحركة في تحقيقها، لتصلح ان تكون منبثقا للتكامل وممونا أساسيا للحركة. وهكذا اعترف بالتناقض كنتيجة حتمية لتسلسله الفلسفي، فنبذ مبدأ عدم التناقض، وزعم أن المتناقضات مجتمعة دائما في محتوى المادة الداخلي، وان المادة بهذه الثروة المحتواة تكون سببا للحركة والتكامل.
وأما التفسير الإلهي للحركة، فيبدأ مستفهما عن تلك المتناقضات، التي يزعم الديالكتيك احتواء المادة عليها، فهل هي موجودة في المادة جميعا بالفعل، أو انها موجودة بالقوة؟ ثم يستبعد الجواب الأول نهائيا، لان المتناقضات لا يمكن لها - بحكم مبدأ عدم التناقض - أن تجتمع بالفعل، ولو اجتمعت بالفعل لجمدت المادة وسكنت. ويبقى بعد ذلك الجواب الثاني، وهو ان تلك النقائض موجودة بالقوة، ومعنى وجودها بالقوة ان المادة فيها استعداد لتقبل التطورات المتدرجة، وامكانية للتكامل الصاعد بالحركة. وهذا يعني انها فارغة في محتواها الداخلي عن كل شيء، سوى القابلية والاستعداد. والحركة في هذا الضوء خروج تدريجي من القابلية إلى الفعلية، في مجال التطور المستمر، وليست المادة هي العلة الدافعة لها، لأنها خالية من درجات التكامل، التي تحققها أشواط التطور والحركة، ولا تحمل الا امكانها واستعدادها. فلا بد - اذن - من التفتيش عن سبب الحركة الجوهرية للمادة، وممونها الأساسي خارج حدودها، ولابد أن يكون هذا السبب هو الله