الديالكتيكي، يتلخص في ان المادة قد تطورت من مرحلة إلى مرحلة أرقى، حتى بلغت درجة اليورانيوم. وعلى هذا الضوء يجب أن يكون عنصر الهيدروجين، نقطة الابتداء في هذا التطور، باعتباره أخف العناصر البسيطة. فالهيدروجين يتطور ديالكتيكيا بسبب التناقض المحتوى في داخله، فيصبح بالتطور الديالكتيكي عنصرا أرقى، أي عنصر الهليوم، وهذا العنصر بدوره ينطوي على نقيضه، فيشتعل الصراع من جديد، بين النفي والاثبات، بين الوجه السالب والوجه الموجب، حتى تدخل المادة في مرحلة جديدة، ويوجد العنصر الثالث، وهكذا تتصاعد المادة طبقا للجدول الذري.
هذا هو التفسير الوحيد، الذي يمكن للديالكتيك ان يقدمه في هذا المجال، تبريرا لديناميكية المادة. ولكن من السهل جدا، أن نتبين عدم امكان الأخذ بهذا التفسير، من ناحية علمية، لان الهيدروجين لو كان مشتملا بصورة ذاتية على نقيضه، ومتطورا بسبب ذلك طبقا لقوانين الديالكتيك المزعوم، فلماذا لم تتكامل جميع ذرات الهيدروجين؟ وكيف اختص هذا التكامل الذاتي ببعض دون بعض؟ فان التكامل الذاتي لا يعرف التخصيص، فلو كانت العوامل الخلافة للتطور والترقي، موجودة في صميم المادة الأزلية، لما اختلفت آثار تلك العوامل، ولما اختصت بمجموعة معينة من الهيدروجين، تحولها إلى هليوم وتترك الباقي. فنواة الهيدروجين (البروتون)، إذا كانت تحمل في ذاتها نفيها، وتتطور تبعا لذلك حتى تصبح بروتونين، بدلا من بروتون واحد، لنتج عن ذلك زوال الماء عن وجه الأرض تماما، لان الطبيعة إذا فقدت نوى ذرات الهيدروجين، وتحولت جميعا إلى نوى ذرات الهليوم، لم يكن من الممكن أن يوجد بعد ذلك ماء.
فما هو سبب الذي جعل تطور الهيدروجين إلى هليوم، مقتصرا على كمية معينة، وأطلق الباقي من أسر هذا التطور الجبري؟
وليس التفسير الديالكتي للمركبات، أدنى إلى التوفيق من تفسير الديالكتيك للعناصر البسيطة. فالماء إذا كان قد وجد طبقا لقوانين الديالكتيك فمعنى ذلك ان الهيدروجين يعتبر اثباتا، وان هذا الاثبات يثير نفي نفسه، بتوليده