المطاف إلى مادة واحدة، نجدها في كل هذه العناصر وتلك المركبات. فلا تختلف مادة كل واحد من هذه الأشياء، عن مادة غيره، ولذلك يمكن تحويل مادة شيء إلى شيء آخر، فكيف يمكن ان نسند إلى تلك المادة الأساسية، التي نجدها في الأشياء جميعا، تنوع تلك الأشياء وحركاتها المختلفة؟ ولو أمكن هذا، لكان معناه ان الحقيقة الواحدة، قد تتناقض ظواهرها، وتختلف أحكامها. وفي ذلك القضاء الحاسم على جميع العلوم الطبيعية، بصورة عامة، لان هذه العلوم قائمة جميعا على أساس ان الحقيقة الواحدة لها ظواهر، ونواميس معينة لا تختلف، كما درسنا ذلك بكل تفصيل في الجزء السابق من هذه المسألة. فقد قلنا ان تجارب العالم الطبيعي، لا تقع الا على موارد معينة ومع ذلك فهو يشيد قانونه العلمي العام، الذي يتناول كل ما تتفق حقيقته مع موضوع تجربته. وليس ذلك الا لأن المواد، التي عمم عليها القانون، يتمثل فيها نفس الواقع الذي درسه في تجاربه الخاصة. ومعنى هذا، أن الواقع الواحد المشترك لا يمكن ان تتناقض ظواهره وان تختلف آثاره، والا لو أمكن شيء من ذلك، لما أمكن للعالم أن يضع قانونه العام. وعلى هذا الأساس نعرف، ان الواقع المادي المشترك للعالم، الذي دلل عليه العلم، لا يمكن ان يكون هو السبب والعلة الفاعلية له، لان العالم مليء بالظواهر المختلفة، والتطورات المتنوعة.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، قد علمنا على ضوء النتائج العلمية السابقة، ان الخصائص والصفات، التي تبدو بها المادة، في مختلف مجالات وجودها، خصائص عرضية للمادة الأصلية، أو للواقع المادي المشترك. فخصائص المركبات. صفات عرضية للعناصر البسيطة، وخصائص العناصر البسيطة، صفات عرضية للمادة الذرية. وصفة المادية نفسها، هي أيضا عرضية كما سبق، بدليل امكان سلب كل واحدة من هذه الصفات، وتجريد الواقع المشترك منها، فلا يمكن ان تكون المادة ديناميكية. وسببا ذاتيا لاكتساب تلك الخصائص والصفات.