وفي تعبير واضح ان كل قانون علمي صحيح فهو يحتوي على حقائق بعدد الحالات التي يتناولها وينطبق عليها، فإذا أظهرت التجربة خطأه في بعض تلك الحالات، وصوابه في البعض الآخر، فليس معنى ذلك ان الحقيقة نسبية وانها اجتمعت مع الخطأ، بل معنى ذلك ان محتوى القانون يطابق الواقع في بعض الحالات دون بعض. فالخطأ له موضع وهو في ذلك الموضع خطأ محض، والحقيقة لها موضع آخر وهي في ذلك الموضع حقيقة مطلقة.
والفكر الميتافيزيقي لا يحتم على العالم الطبيعي ان يرفض القانون نهائيا إذا ما تبين عدم نجاحه في بعض الحالات، لأنه يعتبر كل حالة تمثل قضية خاصة بها، ولا يجب ان تكون القضية الخاصة بحالة ما خطأ، إذا ما كانت القضية الخاصة بالحالة الأخرى كذلك.
وكان يجب على (انجلز) - عوضا عن تلك المحاولات الصبيانية لتبرير الحقيقة النسبية واجتماعها مع الخطأ - ان يتعلم الفرق بين القضايا البسيطة والقضايا المركبة ويعرف ان القضية البسيطة هي التي لا يمكن ان تنقسم إلى قضيتين، كما في قولنا: مات أفلاطون قبل أرسطو. وان القضية المركبة هي القضية التي تتألف من قضايا متعددة، نظير قولنا: الفلزات تتمدد بالحرارة. فان هذا القول مجموعة من قضايا، ويمكننا ان نعبر عنه في قضايا متعددة فنقول: الحديد يتمدد بالحرارة، والذهب يتمدد بالحرارة، والرصاص يتمدد بالحرارة....
والقضية البسيطة - باعتبارها قضية مفردة - لا يمكن ان تكون حقيقة من ناحية وخطأ من ناحية أخرى، فموت أفلاطون قبل أرسطو اما أن يكون حقيقة واما ان يكون خطأ. واما القضية المركبة فلما كانت في الحقيقة ملتقى قضايا متعددة، فمن الجائز ان توجد الحقيقة في جانب منها والخطأ في جانب آخر، كما إذا افترضنا ان الحديد يتمدد بالحرارة دون الذهب، فان القانون الطبيعي العام وهو الفلزات تتمدد بالحرارة يعتبر صحيحا على ناحية وخطأ من ناحية أخرى. ولكن ليس معنى ذلك ان الحقيقة والخطأ اجتمعا فكانت القضية الواحدة خطأ وحقيقة، بل الخطأ انما يوجد في قضية الحديد يتمدد