البصرة والكوفة انتقل الناس إليها، ثم لما اختط الحجاج واسطا وكان دار الإمارة انتقل الناس إليها، فلما اختط المنصور بغداد انتقل أكثر الناس إليها، وأما الآن شبه قرية في جانب الغربي من دجلة، أهلها فلاحون شيعة إمامية، من عادتهم أن نسائهم لا يخرجن نهارا أصلا، وفي الجانب الشرقي منها مشهد سلمان الفارسي رضي الله عنه وله موسم في منتصف شعبان، ومشهد حذيفة ابن اليمان، وكان للأكاسرة هناك قصر كان باقيا إلى زمان المكتفي، فأمر بنقضه وبنائه التاج الذي بدار الخلافة ببغداد، وتركوا منه إيوان كسرى، ذكر إنه من بناء أنوشيروان من أعظم الأبنية وأعلاها، والآن بقي منه طاق الإيوان وجناحاه وأزجه (1) قد بنى بآجر طوال عراض، بقاؤه إلى زماننا هذا من نتائج عدله، كما قال الشاعر:
جزاى حسن عمل بين كه روزگار هنوز خراب مى نكند بارگاه كسرى را وفي مجمع البحرين: (البهقيا ذات - بالباء الموجدة ثم الهاء ثم القاف ثم الألف بعد ياء مثناة تحتانية، ثم ذال معجمة ثم ألف ثم تاء في الآخر -: رستاق من رساتيق المدائن مملكة كسرى دفن فيها سلمان الفارسي) (2).
وفي تنبيه الخواطر عن جرير السهمي قال: (كنت مع أمير المؤمنين عليه السلام في مسيره إلى الشام، فمررت على مدائن كسرى فوقفت وقلت شعرا:
جرت الرياح على رسوم ديارهم فكأنهم كانوا على ميعاد وأرى النعيم وكلما يلهى به يوما يصير إلى بلى ونفاد