للأحداق، ومجموعا ظريفا يحلو للأذواق، ذا ترتيب وتقرير أبهى من أيام الشباب، وتنويع وتحبير أشهر من لذيذ التراب، فيه من المعاني الرشيقة ما يطير به الناظر طربا، ومن الحكم الأنيقة ما يبهر القلوب عجبا، ومن الروايات الشريفة ما يكمل بمضامينه الإيمان، ومن الحكايات المنتفه ما يزيد بعناوينه العرفان، ومن درر الحكم ما أخجل به عقود الجمان، ومن غرر الكلم ما فضح به قلائد العقبان:
فرايد تستحلي الرواة قريضها * ويلهو بها عن كاهب الحي ساهر ولقد تتبع آثاره وروى أخباره، فشنف ببيان ترجمته الأسماع ورصع بذكر أوصافه وشاح الأسجاع، وتفجرت ينابيع الحكمة من أقلامه وجرت جداول العرفان حين أملى من إكمامه، وفاحت من أوراقه نفحات القدس والألطاف، وقرت لعمري بذلك عيون وإن زعمت اناف، فيا له من شرف حواه ما أوثق عراه وأرفع ذراه، ولقد نور الله تعالى ساحة الأرض بإبراز هذا الكتاب وبيض وجوه أوراق الأيام بسواد هذا الخطاب، ولعمري إنه كتاب فوايده جليلة عوائده جزيلة سرائره دقيقة ظواهره رقيقة كلماته رشيقة موارده عين الحقيقة، بحر قعره لا يدرك، طود إلى ذراه لا يسلك، كتاب يضوع من شذأه الريحان، ولا يضيع من تمسك باذباله عن حمى الإيمان:
كتاب لو أن الليل يرمى بمثله * لقلت بدا عن حجريته ذكاء تهادى بابكار المعاني وعونها * وأعيان لفظ ما لهن كفاء شوارد إلا انهن أو الف * ضرائر إلا أنهن سواء وأظن أنه متفرد بذلك، غير مسبوق الخوض في هذه المسالك، فإن المتقدمين أهملوا تدوينه، والحمد لله تعالى على أنه تجلى في آخر الزمان بأحسن زينه، فلله تعالى دره، مع أنه لم يسبق إلى هذه المرتبة، نقح هذا الأمر وهذبه وسواه ورتبه في أي صورة ما شاء ركبه، فكأن الأخبار نصب عينيه والأحاديث طوع يديه، لا زال مبنى فضله معربا عن حركات التأليف ومعرب فضله مبينا على كل أساس شريف.