سلمان الفارسي، قال: (لما قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقلد أبو بكر الأمر، قدم المدينة جماعة من النصارى يتقدمهم جاثليق، له سمت ومعرفة بالكلام ووجوهه، وحفظ التورية والإنجيل وما فيهما، فقصدوا أبا بكر، فقال الجاثليق: إنا وجدنا في الإنجيل رسولا يخرج بعد عيسى، وقد بلغنا خروج محمد بن عبد الله، يذكر إنه ذلك الرسول ففزعنا إلى ملكنا فجمع وجوه قومنا وأنقذنا في التماس الحق فيما اتصل بنا، وقد فاتنا نبيكم محمد، وفيما قرأناه من كتبنا: إن الأنبياء لا يخرجون من الدنيا إلا بعد إقامة أوصياء لهم، يخلفونهم في أممهم، يقتبس منهم الضياء فيما أشكل، فأنت أيها الأمير وصيه، لنسألك عما نحتاج إليه، فقال عمر: هذا خليفة رسول الله، فجثى الجاثليق لركبتيه وقال له: أخبرنا أيها الخليفة عن فضلكم علينا في الدين، فإنا جئنا نسئلك عن ذلك؟ فقال أبو بكر: نحن مؤمنون وأنتم كفار، والمؤمن خير من الكافر والإيمان خير من الكفر، فقال الجاثليق: هذه دعوى تحتاج إلى حجة، فخبرني أنت مؤمن عند الله أم عند نفسك؟ فقال أبو بكر: أنا مؤمن عند نفسي ولا علم لي بما عند الله، قال: فهل أنا كافر عندك بمثل ما أنت مؤمن، أم أنا كافر عند الله؟ فقال: أنت عندي كافر ولا علم لي بحالك عند الله، فقال الجاثليق: فما أراك إلا شاكا في نفسك وفي، ولست على يقين من دينك، فخبرني ألك عند الله منزلة في الجنة بما أنت عليه من الدين تعرفها؟ فقال: لي منزلة في الجنة أعرفها بالموعد، ولا أعلم هل أصل إليها أم لا؟ فقال له:
فترجو لي منزلة في الجنة؟ قال: أجل أرجو ذلك، فقال الجاثليق: فما أراك إلا راجيا لي وخائفا على نفسك، فما فضلك علي في العلم؟ ثم قال له: أخبرني هل احتويت على جميع علم النبي، المبعوث إليك؟ قال:
لا ولكني أعلم منه ما قضى له علمه، قال: فكيف صرت خليفة النبي وأنت لا تحيط علما بما تحتاج إليه أمته من علمه، وكيف قدمك قومك على ذلك؟ فقال له عمر: كف أيها النصراني عن هذا العبث وإلا أبحنا دمك، فقال الجاثليق: ما هذا عدل على من جاء مسترشدا طالبا.
قال سلمان: فكأنما ألبسنا جلباب المذلة، فنهضت حتى أتيت عليا عليه السلام