فشاوره النبي في افتتاح الدعوة وبأي الرجال يجب الابتداء بالخطاب امتحانا له؟ فجال سلمان في أهل مكة بشريرهم وخيرهم، ويجتمع مع النبي صلى الله عليه وآله ومع أبي طالب ويتشاورون في أي الرجل ينبغي (1) الافتتاح به في هذا الأمر، فأشار سلمان الفارسي وقال: يجب ابتداء (2) هذا الأمر مع أبي فصيل عبد العزى ابن أبي قحافة، لأنه معروف بين العرب بتعبير الأحلام والأخبار وبتأويل المنام، وصناعة التعبير ضرب من علم الغيب، وللعرب في تعبير الرؤيا اعتقاد مع أنه يعرف تواريخها وأنسابها، ويخبر (هم) بوقائعها وأحسابها، وقد كان معلما للصبيان وتفد العرب عليه في مسائل ووسائل، وله بين الناس كلام ووساوس ومتى كان أول من يسلم على يديك ويؤمن بك وبرسالتك يقع بإسلامه صوت بعيد بين أهل البادية والعرب، فليكن أول من تخاطبه، فإذا آمن بك لانت لك قلوب كثيرة وانسد بإسلامه باب واسع من الولوع بك والعبث بحالك أولا من جهة مداخلاته وغور مقاصده، فإني رأيته محبا للرياسة وفيه أخلاق المعلمين وهو مفتون بالسيادة ونفسه تطالبه بالزيادة - الخبر.) (3) وفيه وفي ما قاله الكازروني في المنتقى بعد نقل ما نقلنا عنه سابقا:
(وفي بعض طرقها إن سلمان أسلم بمكة على هذا النسق - أعني ذكر الهدية والصدقة والخاتم)، ما لا يخفى على من خاض في لجج بحار الأخبار وجاس خلال تلك الديار، وفيما انتظمناه من تلك الدرر كفاية لأولي الأبصار، والعجب من صاحب مجالس المؤمنين وإنكاره على من أنكر ذلك، ويأتي في الباب الرابع ما له ربط بالمقام، فلاحظ.