شرح المواقف - القاضى الجرجانى - ج ٨ - الصفحة ٣٢٤
أما اللسان) أي فعله (وهو الكلمتان أو غيره) أي غير فعل اللسان (وهو العمل بالطاعات) المطلقة أو المفترضة (وأما فعل القلب والجوارح معا والجارحة أما اللسان) وحده (أو سائر الجوارح) أي جميعها فقد انضبط بهذا التقسيم المذاهب كلها (لنا) على ما هو المختار عندنا (وجوه * الأول الآيات الدالة على محلية القلب للإيمان نحو أولئك كتب في قلوبهم الإيمان ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وقلبه مطمئن بالإيمان ومنه) أي ومما يدل على محلية القلب للإيمان (الآيات الدالة على الختم والطبع على القلوب) وكونها في أكنة فإنها واردة على سبيل البيان لامتناع الإيمان منهم (ويؤيده دعاء النبي صلى الله عليه وسلم اللهم ثبت قلبي على دينك وقوله لأسامة وقد قتل من قال لا إله إلا الله هلا شققت قلبه) وإذا ثبت إنه فعل القلب وجب أن يكون عبارة عن التصديق الذي من ضرورته المعرفة وذلك لأن الشارع إنما يخاطب العرب بلغتهم ليفهموا ما هو المقصود بالخطاب فلو كان لفظ الإيمان في الشرع مغيرا عن وضع اللغة لتبين للأمة نقله وتغييره بالتوقيف كما تبين نقل الصلاة والزكاة وأمثالهما ولاشتهر اشتهار نظائره بل كان هو بذلك أولى * (الثاني جاء الإيمان مقرونا بالعمل الصالح في غير موضع من الكتاب نحو الذين آمنوا وعملوا الصالحات فدل على التغاير) وعلى أن العمل أوليس داخلا فيه لأن الشئ لا يعطف على نفسه ولا الجزء على كله (الثالث إنه) أي الإيمان (قرن بضد العمل الصالح نحو وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا) فأثبت الإيمان مع وجود القتال (ومنه) أي ومما يدل على كونه مقرونا بضد العمل الصالح (مفهوم
____________________
(قوله الأول الآيات الخ) لا يخفى أن هذه النصوص حجة على من يجعل الإيمان عبارة عن مجرد الاقرار اللساني كالكرامية وليس بحجة تفيد القطع بكون الإيمان عبارة عن مجرد التصديق كما هو المدعى لجواز أن يكون تخصيص القلب بالذكر في الآيات لكونه رئيس الأعضاء ومستتبعا لما عداه كما دل عليه قوله عليه السلام ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب وأما الحديث فيفيد اعتبار عمل القلب لا عدم اعتبار فعل اللسان كما لا يخفى (قوله ولا الجزء على كله) فإن قلت يجوز أن يكون عطف الجزء على الكل ههنا اهتماما لشأنه وتحريضا عليه لكونه كمال الإيمان وسببا لترتب ثمرته عليه قلت ما ذكرته خلاف الظاهر لا يصار إليه ما لم يصرف عن الظاهر الذي هو خروج المعطوف عن المعطوف عليه فيتم البرهان (قوله ومنه مفهوم قوله الذين آمنوا الآية) الاستدلال بالآية على المدعى مبني على أن المراد بالظلم المعصية وقيل المراد به الشرك كما روي أنه لما نزل شق ذلك على الصحابة رضي الله عنهم وقالوا أينا لم يظلم على نفسه فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أوليس ما تظنون إنما هو ما قال لقمان لابنه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم وحينئذ يجب أن يقال المراد بقوله تعالى آمنوا هو الإيمان الظاهري أي الذي يعلم منهم بحسب
(٣٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 319 320 321 322 323 324 325 326 327 328 329 ... » »»
الفهرست