إن للبشر عوائق عن العبادة من شهوته وغضبه وحاجاته الشاغلة لأوقاته وليس للملائكة شئ من ذلك ولا شك أن العبادة مع هذه العوائق أدخل في الاخلاص وأشق فتكون أفضل لقوله عليه
الصلاة والسلام أفضل الأعمال أحمزها أي أشقها) فيكون صاحبها أكثر ثوابا عليها * (الرابع إن الإنسان ركب تركيبا بين الملك) الذي له عقل بلا
شهوة (والبهيمة) التي لها
شهوة بلا عقل (فبعقله له حظ من الملائكة وبطبيعته له حظ من البهمية ثم أن من
غلب طبيعته عقله فهو شر من البهائم لقوله تعالى أولئك كالأنعام بل هم أضل وقوله إن شر الدواب عند الله الآية وذلك يقتضي) بطريق قياس أحد الجانبين على الآخر (أن يكون من
غلب عقله طبيعته خيرا من الملائكة * احتج
الخصم) على تفضيل الملائكة بوجوه عقلية ونقلية (إما العقلية فستة) الأول الملائكة أرواح مجردة) عن علائق المادة وتوابعها فليس شئ من أوصافها بالقوة بل (كمالاتها) كلها (بالفعل) في مبدأ الفطرة (بخلاف السفليات) أي النفوس الناطقة الإنسانية فإنها في ابتداء فطرتها خالية عن كمالاتها وإنما يحصل لها منها ما يحصل على سبيل التدريج والانتقال من القوة إلى الفعل والتام أكمل من غيره * الثاني الروحانيات متعلقة بالهياكل العلوية) الشريفة المبرأة عن الفساد وهي الأفلاك والكواكب المدبرة لما في عالمنا هذا باتصالاتها وأوضاعها (والنفوس الإنسانية متعلقة بالأجسام السفلية الكائنة الفاسدة ونسبة النفوس كنسبة الأجساد * (الثالث الروحانيات مبرأة عن الشهوة
والغضب وهما لمبدأ للشرور) والأخلاق الذميمة كلها (الرابع الروحانيات نورانية لطيفة) لا حجاب فيها عن تجلي
الأنوار القدسية فهي أبدا مستغرقة في مشاهدة الأنوار الربانية (والجسمانيات مركبة من المادة والصورة والمادة ظلمانية مانعة) عن تلك المشاهدة المستمرة * (الخامس الروحانيات قوية على أفعال شاقة كالزلازل والسحب)
____________________
الدفع ظاهر (قوله واشق فتكون أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم) فيه بحيث وهو أنه قد سبق إن المراد بالحديث هو أن الأشق أفضل بعد المساواة في وجوه المصالح فلعل في عبادة الملائكة مصالح لا تحصى فلا تثبت أفضلية عبادة البشر منهم وإن كانت أشق ويمكن أن يقال ما ذكرته احتمال قادح في التيقن لا الظن وهذه المسألة وإن كانت من المسائل العلمية لكنه يكتفى فيه بالظن والتخمين للعجز عن القطع واليقين (قوله بل كمالاتها كلها بالفعل) هذا في صنف من الملائكة وهم غير الروحانيات المذكورة في الوجه الثاني (قوله ونسبة النفوس كنسبة الأجساد) أي نسبة النفوس إلى الروحانيات كنسبة الأجساد إلى الهياكل العلوية فكما أن الهياكل أشرف كذلك الروحانيات (قوله الروحانيات قوية الخ) لا يخفى أن هذا الوجه وكذا