(وأراد أن ملك الدنيا موروث) أي ينتقل من واحد إلى آخر (فطلب) من ربه بعد ما شفى من
مرضه الشديد (ملك الدين) الذي لا يمكن فيه الانتقال فقوله ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي أي ملكا لا يمكن أن ينتقل عني إلى غيري (وأراد الملك العظيم من
القناعة) وذلك إن الاحتراز عن لذات الدنيا مع القدرة عليها مما لا يمكن عادة فطلب الملك العظيم في الدنيا مع اشتغاله بطاعة ربه وعدم التفاته إلى ذلك الملك العظيم ليعلم الناس أن زخارف الدنيا لا تمنع من خدمة المولى (ومنه قصة يونس) عليه السلام فإنه ذهب مغاضبا وظن أن لن يقدر الله عليه واعترف بكونه ظالما
والغضب ذنب والشك في قدرة الله تعالى كفر والظلم أيضا ذنب (والجواب لعل غضبه كان على قوم كفرة) بالغوا في العناد والمكابرة حتى عيل
صبره ولم يطلق المصابرة معهم فهذا غضب لله على أعدائه فلا يكون ذنبا (فظن أن لن نقدر عليه أن لن نضيق عليه) فإنه مشتق من القدر كما في قوله يبسط
الرزق لمن يشاء ويقدر لا من القدرة (وإني كنت من
الظالمين أي لنفسي بترك الأولى) فاعترافه
بالظلم هضم للنفس واستعظام لما صدر عنها مبالغة في التضرع (ولا تكن كصاحب الحوت أي في قلة
الصبر) على الشدائد والمحن لتناول أفضل الرتب وليس معناه لا تكن مثله في ارتكاب الذنب (ومنه قصة
نبينا صلى الله عليه وسلم (والاحتجاج بها من وجوه) الأول ووجدك ضالا فهدي) ولا شك أن
الضال عاص (الجواب إنه قبل النبوة أو) أراد (ضالا في أمور الدنيا) ويجب حمله على هذا (لقوله تعالى ما ضل صاحبكم وما غوى) إذ المراد به نفي الضلالة والغواية في أمور الدين بلا شبهة فوجه التوفيق بينهما ما ذكرنا * (الثاني ما روي أنه) عليه الصلاة والسلام لما أشد عليه إعراض قومه عن دينه تمنى أن يأتيه من الله ما يتقرب به إليهم ويستميل قلوبهم فأنزل الله عليهم سورة والنجم فلما اشتغل بقراءتها (قرأ بعد قوله تعالى أفرأيتم اللات والعزى ومنات الثالثة الأخرى تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى) فلما سمعه قريش
____________________
قلت يحتمل أن يكون مراده من قوله من بعدي من غيري في زماني ويقرب منه قول القاضي أي لا ينبغي لأحد أن يسلبه مني بعد هذه السلبة (قوله أو أراد ضالا في أمور الدنيا) قيل إنه عليه السلام ضل في بعض شعاب مكة فرده أبو جهل إلى عبد المطلب وقيل أضلته حليمة عند باب مكة حين فطمته وجاءت به على عبد المطلب وقيل ضل في طريق الشام حين خرج به أبو طالب (قوله أفرأيتم اللات والعزى ومنات الثالثة الأخرى) هي أصنام كانت لهم والثالثة والأخرى صفتان للمنات وفائدتهما التأكيد كقوله يطير بجناحيه أو الأخرى من التأخر في الرتبة (قوله تلك الغرانيق العلى) الغرنيق بضم الغين المعجمة وفتح النون من طير الماء طويل العنق وإذا وصف به الرجال