والصابئة والتناسخية غير أن من البراهمة من قال بنبوة آدم فقط ومنهم من قال بنبوة إبراهيم فقط ومن الصابئة من قال بنبوة شيث وإدريس فقط و) هؤلاء كلهم (احتجوا بأن ما حكم العقل بحسنه) من الأفعال (بفعل وما حكم بقبحه بترك وما لم يحكم فيه بحسن ولا قبح يفعل عند
الحاجة) إليه (لأن
الحاجة ناجزة) حاضرة فيجب اعتبارها دفعا لمضرة فواتها (ولا يعارضها مجرد الاحتمال) أي احتمال المضرة بتقدير قبحه (ويترك عند عدمها للاحتياط) في دفع المضرة المتوهمة (والجواب بعد تسليم حكم العقل)
بالحسن والقبح (إن الشرع) المستفاد من
البعثة (فائدته تفصيل ما أعطاه العقل إجمالا) من مراتب
الحسن والقبح والمنفعة والمضرة (وبيان ما يقصر عنه العقل) ابتداء (فإن القائلين بحكم العقل لا ينكرون إن من الأفعال ما لا يحكم) العقل (فيه) بشئ وذلك (كوظائف العبادات وتعيين الحدود) ومقاديرها (وتعليم ما ينفع وما يضر من الأفعال وذلك) أي النبي الشارع (كالطبيب) الحاذق (يعرف
الأدوية وطبائعها وخواصها مما لو أمكن معرفتها للعامة بالتجربة ففي دهر طويل (يجربون فيه) أي في ذلك الدهر الطويل (من فوائدها) لعدم حصول العلم) بها بعد (ويقعون في المهالك قبل استكمالها) أي قبل استكمال مدة التجربة إذ ربما يستعملون من
الأدوية في تلك المدة ما يكون مهلكا ولا يعلمون ذلك فيهلكهم (مع أن اشتغالهم بذلك) أي بتحصيل العلم بأحوال
الأدوية بطريق التجربة (يوجب إتعاب النفس وتعطل الصناعات) الضرورية (والشغل عن المصالح المعاش فإذا تسلموه من
الطبيب خفت المؤنة وانتفعوا به وسلموا من تلك المضار ولا يقال في إمكانه معرفته) أي معرفة ما ذكر (غنى عن
الطبيب) فكذا لا يقال في إمكان معرفة التكاليف وأحوال الأفعال بتأمل العقل فيها غنى عن المبعوث (كيف والنبي لا يعلم ما يعلم إلا من جهة الله) بخلاف
الطبيب إذ يمكن التوصل إلى جميع ما يعلمه بمجرد الفكر والتجربة فإذا لم يكن هو مستغنى عنه كان النبي بذلك أولى (وفيما تقدم من تقرير مذهب الحكماء) وهو أن الإنسان مدني بالطبع فلا بد له من قانون عدل محتاج إلى واضع يمتاز عن بني نوعه بما يدل على أن ما أتى به من عند ربه (تتمة لهذا الكلام) فإنه يدل على
وجوب وجود النبي في العناية الأزلية المقتضية للنظام الأبلغ * الطائفة (الرابعة من قال بامتناع المعجزة) فلا يثبت النبوة أصلا (لأن تجويز خرق العادة
____________________
الإحداث فتأمل (قوله وهؤلاء كلهم احتجوا الخ) لا يخفى انتقاض دليلهم ببعثة ما اعترفوا ببعثته من الأنبياء