أقول: لعل وجه استجواده له أن كلا الخبرين المتعارضين قد وصلا من الشارع بطريق صحيح، وكل ما كان كذلك يجوز الأخذ به تعبدا من باب التسليم، بمقتضى أخبار التسليم - التي منها ما ورد في بعض الأخبار العلاجية - وهو قوله عليه السلام حين سئل عن الخبرين المتعارضين (بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك) (1) فيجوز الأخذ بكل من المتعارضين مطلقا، لأن مصلحة التسليم لا ترتفع، وعنوانه لا ينتفي بمجرد الأخذ بأحدهما واختياره، بل هما - أعني مصلحة التسليم وصدق عنوانه - باقيان على ما كانا عليه بالنسبة إلى الوقائع المتأخرة - أيضا -.
هذا مع أن ما ذكرنا - من أخبار التسليم - وارد في خصوص الخبرين المتعارضين، ومعه لا حاجة إلى إثبات كلية الكبرى.
هذا بخلاف الأمارة وفتوى المجتهد، فإن شيئا منهما لم يصل من الشارع بالوصول القولي وبطريق الانتساب إليه كذلك.
نعم الدليل على اعتبارهما قد وصل منه كذلك، وليس الكلام فيه، وكأن أمر المصنف (قدس سره) بالتدبر إشارة إلى هذا الذي ذكرنا، فافهم.
قوله - قدس سره -: (بقي هنا ما يجب التنبيه عليه خاتمة للتخيير ومقدمة للترجيح) (2) أقول: كون التنبيه المذكور خاتمة للتخيير لأجل أن الذي أثبته سابقا إنما هو حكم التخيير للمتكافئين من الخبرين المتعارضين، لكن لم يبين أنه ثابت لمطلق المتكافئين منهما، أو للذين لا يرجى الاطلاع على مزية لأحدهما، فلا عبرة بالتكافؤ البدوي، فكان عليه التنبيه على ذلك فنبه عليه لذلك، لكن كونه مقدمة