وأما إذا كان منشأ لمقدار منه فهو وإن لم يكن حينئذ مؤكدا لحكم العقل لعدم استقلاله بمرتبة خاصة من الثواب إلا أنه أيضا لا يلازم الاستحباب لاحتمال أن يكون ذلك من باب التفضل ويكون ذلك الخبر وعدا من الله عليه تفضلا واللازم من ذلك أيضا هو الأمر الإرشادي.
قال (دام ظله):
إذا كان الدليل حينئذ منشأ للمقدار لا ينحصر محمله في التفضل، بل يمكن أن يقال إنه يحتمل أن يكون هذا العمل على ذلك الوجه في الواقع موجبا لاستحقاق هذا المقدار الخاص البالغ لكن العقل لا يدركه وإنما الشرع كشف عنه، هذا.
وكيف كان فمن هنا تبين بطلان قياس ما نحن فيه بقوله عليه السلام:
(من سرح لحيته فله كذا) فإن سرح اللحية ليس في نفسه موجبا لاستحقاق الثواب أصلا بل كونه موجبا له إنما هو بأن يكون قد أمر به وأتى به لداعي هذا الأمر حتى يدخل في عنوان الامتثال ليكون موجبا له وليس هو نظير ما نحن فيه، لعدم صدق الانقياد عليه.
هذا حاصل ما أفاده قدس سره.
أقول: استقلال العقل باستحقاق هذا الفاعل الثواب كما ادعاه (قدس سره) إنما يتجه بناء على كفاية احتمال الأمر في تحقيق موضوع العبادة التي محط نظرنا في المقام حتى يتحقق موضوع الاحتياط والانقياد أيضا.
وأما بناء على عدم كفايته وتوقف موضوع العبادة على العلم بأمر الشارع تفصيلا أو إجمالا فلا وجه لدعوى استقلال العقل بذلك لعدم تحقق موضوع الانقياد حينئذ وقد عرفت أن الظاهر بل الصريح من كلماته (قدس سره) المتقدمة أن الفعل بداعي الاحتمال موجب لاستحقاق الثواب والمدح وإن لم يكن احتياطا.