عن ساعد الجد لاستكمال ما بدأه الإمام السجاد في عمله التغييري المقدام، من خلال تبنيه السياسة التعليمية المعطاءة، ومارس نشاطا تثقيفيا على أعلى المستويات، من أجل رفد الحركة التغييرية بمزيد من (الكوادر) الرسالية الواعية.
واستقطب نشاط الإمام المكثف الكثير من رواد المعرفة الإسلامية، وشدت إليه الرحال من جميع أطراف الدولة الإسلامية المترامية، تلامذة ومحاورون وطالبوا علم، وقصده أغلب رجالات الفكر من معتزلة ومتصوفة وخوارج وسواهم، للمناظرة أو للإصابة من فيض علمه المتدفق (1).
وفي هذا المقام يمكن اعتبار جهود الإمام الباقر (عليه السلام) استمرارا وتصعيدا لبناء بدأه آباؤه السابقون، مستفيدا من المكاسب التي حققوها في هذا المضمار.
فالخط التاريخي المتمثل بتضحيات وجهود أئمة المرحلة الأولى أكسب الإمام الباقر (عليه السلام) المكانة الرائدة عند الأمة الإسلامية، وجعلها تتطلع إليه - كما أشرنا إلى ذلك - كرائد أوحدي، وأمين على دينها وعقيدتها، لما يمتلك من مؤهلات علمية ورسالية، فهذه المكانة عرفناها من خلال نصوص تاريخية كثيرة.
في سؤال لهشام بن عبد الملك لما حج في ذلك العام، فقال: من هذا؟
مشيرا إلى الإمام، فقيل له هذا من افتتن به أهل العراق، هذا إمام أهل العراق.
وفي رواية حبابة الوالبية حين قالت: رأيت رجلا بمكة بين الباب والحجر على صعدة من الأرض.. انثال عليه الناس يستفتونه عن المعضلات ويستفتحونه أبواب المشكلات، فلم يرم حتى أفتاهم في ألف مسألة ثم نهض يريد رحله ومناد ينادي بصوت مهل: ألا إن هذا النور الأبلج... وآخرون يقولون من هذا؟ فقيل: محمد بن علي الباقر عن العلم والناطق عن الفهم الإمام محمد