الأمة تتطلع إليه بوصفه واحدا من أبناء أولئك الذين ضحوا بأرواحهم ودمائهم لكي يوقفوا موجة الانحراف التي كادت أن تطمس معالم الإسلام، فهم وقفوا وضحوا من أجل ان يفهم المسلمون أن حكامهم الذين يحكمون باسم الإسلام، بعيدون كل البعد عن تطبيقه حتى أصبحت مفاهيم الكتاب والسنة في واد، والحكام المنحرفون في واد آخر.
إن مهمة كشف الحكام وواقعهم المنحرف وبعدهم عن الإسلام كانت من مهمة أئمة المرحلة الأولى، وقد أنجزت وتمت بنجاح من خلال جهودهم وتضحياتهم (عليهم السلام).
وجاء دور الإمام الباقر (عليه السلام) ليستثمر تلك المعاناة والجهود ويوضح للمسلمين أن تلك الإنجازات الكبيرة والتضحيات العظيمة لم تكن في وقت من الأوقات، مجرد أعمال شخصية وعفوية قام بها أشخاص لنصرة الإسلام، تدفعهم لذلك دوافع الغيرة على الإسلام فحسب، بل إنها وجه واحد من وجوه النشاط الذي اتجه لبناء تكتل واع يؤمن بالإسلام إيمانا صحيحا واعيا، وأن لهذا التكتل معالم وشروطا خاصة، ونظرة متميزة يحملها في مختلف شؤون الحياة الإسلامية (1).
وإذا تتبعنا عصر الإمام الباقر (عليه السلام) وجدنا أن نحو ثلثي فترة إمامته (عليه السلام) قد مالت إلى حالة تجميد الصراع مع السلطات المنحرفة نوعا ما، إبتداء من أواخر حكم الوليد بن عبد الملك حتى السنوات الأولى من حكم هشام بن عبد الملك، فقد كان الحكام الذين سبقوا هشاما منشغلين إما بألوان الترف واللهو والمجون، أو بتصفية بعضهم بعضا. وللتاريخ نستثني فترة حكم عمر بن عبد العزيز، الذي سلك سياسة منفتحة مؤطرة بكثير من أطر الإنصاف.
ولقد أفاد الإمام محمد الباقر (عليه السلام) كثيرا من تلك الأوضاع السياسية، فشمر