من دون قومه وقال لأصحابه: حرام على أصحابي وأهلي أن ينظروا إلى عورتي غير أخي علي فإنه مني وأنا منه، له ما لي وعليه ما علي، وهو قاضي ديني ومنجز عداتي ووعدي. ثم قال لأصحابه: إن علي بن أبي طالب يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت أنا على تنزيله، ولم يكن عند أحد تأويل القرآن بكماله وتمامه إلا عند علي (عليه السلام) ولذلك قال رسول الله: أقضاكم علي، أي هو قاضيكم، وقال عمر:
لولا علي لهلك عمر، يشهد له عمر ويجحد غيره.
فأطرق هشام طويلا ثم رفع رأسه فقال: سل حاجتك.
فقال: خلفت عيالي وأهلي مستوحشين لخروجي.
فقال قد آنس الله وحشتهم برجوعك إليهم ولا تقم، سر من يومك إليهم ثم نهض ونهضت معه وخرجنا إلى بابه، وإذا ميدان ببابه وفي آخر الميدان أناس قعود وعدد كثير فقال أبي: من هؤلاء؟
فقيل: هؤلاء القسيسون والرهبان وهذا عالم لهم يقعد لهم في كل سنة يوما واحدا يستفتونه فيفتيهم، فلف أبي عند ذلك نفسه بفاضل ردائه ففعلت أنا كفعل أبي، فأقبل نحوه وقعد وقعدت وراءه ورفع الخبر إلى هشام، فأمر بعض غلمانه أن يحضر الموضع فينظر ما يصنع أبي، فأقبل وأقبل عدد من المسلمين فأحاطوا بنا وأقبل عالم النصارى وقد شد حاجبيه بخرقة صفراء حتى توسطنا، فقام إليه جمع من القسيسين والرهبان مسلمين عليه فجاؤوا به إلى صدر المجلس فقعد فيه وأحاط به أصحابه وأبي وأنا بينهم، فأدار نظره فقال لأبي: أمنا أم من هذه الأمة المرحومة؟
فقال (عليه السلام): من هذه الأمة المرحومة.
فقال: من أين أنت أمن علمائها أم من جهالها؟
فقال أبي: لست من جهالها.
فاضطرب اضطرابا شديدا فقال لأبي: أسألك؟
فقال أبي: سل.