المتاحة لمنصب الإمامة الشرعية عادة، إذ أمر تلميذه بالتظاهر بالجنون، كطريق وحيد لضمان نجاته من القتل.
وبمقدورنا أن ندرك حجم الظلم الذي كان يصب على أتباع الرسالة الإلهية في ذلك العصر الكالح حتى يضطر الرجل منهم، بالرغم من فضله وعلمه، إلى التظاهر بالجنون، وما ينجم عنه من إهانة الصبيان، أو لعبه معهم، كل ذلك درءا للقتل عن نفسه وخلاصا من الموت الذي يدبر له في الظلام.
وهكذا تظاهر الجعفي بالجنون، وامتطى قصبة، وعلق كعبا في رقبته، فاجتمع عليه الصبيان في أزقة الكوفة والجميع يقولون: جن جابر!!!
ولم تمض غير أيام قلائل حتى أتت أوامر هشام إلى واليه على الكوفة بوجوب قتل جابر الجعفي وإنفاذ رأسه إلى دمشق، غير أن الوالي حين سأل عنه من أجل أن ينفذ فيه الجريمة، قيل له: أصلحك الله كان رجلا له فضل وعلم وجن، وهو دائر في الرحبة مع الصبيان على القصب يلعب معهم.
فعدل الحاكم المحلي عن قتله بعد اقتناعه بجنونه.
إن هشام بن عبد الملك كان واثقا من أن مصدر الوعي الإسلامي الصحيح إنما هو الإمام الباقر (عليه السلام) وأن وجوده حرا طليقا يمنحه مزيدا من الفرص لرفد الحركة الإصلاحية في الأمة وتكريس مدها المتعاظم، ومن أجل ذلك رأت السياسة المنحرفة ممثلة بحفيد مروان أن يحال بين الإمام (عليه السلام) وبين استمراريته بالعمل الرسالي لصالح الإسلام والأمة، وقد اتجه المكر الأموي نحو اعتقال الإمام (عليه السلام) وإبعاده عن عاصمة جده المصطفى (صلى الله عليه وآله) التي اجتمعت هي والحجاز عموما على إجلاله والتمسك به.
وهكذا حمل الإمام (عليه السلام) وابنه جعفر الصادق (عليه السلام) إلى دمشق بأمر السلطة الأموية لإيقاف تأثيره في الأمة المسلمة وحجبه عن أداء دوره الرسالي العظيم، وأودع في أحد سجون الحكم هناك.