وإذا لم تحقق المضايقة الأموية غاياتها الدنيئة في صد الإمام الباقر (عليه السلام) عن النهوض بمهامه الرسالية العظمى، فقد رأت السياسة المنحرفة أنه ليس من اغتياله بديل (1).
وفي كتاب دلائل الإمامة لمحمد بن جرير الطبري بإسناده عن الصادق (عليه السلام) قال: حج هشام بن عبد الملك سنة من السنين، وكان قد حج في تلك السنة محمد بن علي الباقر وابنه جعفر صلوات الله عليهما، فقال جعفر بن محمد (عليه السلام): الحمد لله الذي بعث محمدا بالحق نبيا وأكرمنا به فنحن صفوة الله تعالى من على خلقه وخيرته من عباده وخلفائه، فالسعيد من اتبعنا والشقي من عادانا وخالفنا قال: فأخبره مسلمة أخوه بما سمع، فلم يعرض لنا حتى انصرف إلى دمشق وانصرفنا إلى المدينة، فأنفذ بريدا إلى المدينة لإشخاصي وإشخاص أبي، فأشخصنا فلما وردنا مدينة دمشق حجبنا ثلاثة أيام ثم أذن لنا في اليوم الرابع، فأدخلنا عليه وإذا هو قد قعد على سرير الملك وجنده وخاصته وقوف على أرجلهم متسلحون وقد نصب الغرض وأشياخ قومه يرمون، فلما دخلنا وأبي أمامي وأنا خلفه فنادى أبي وقال: ارم مع أشياخ قومك الغرض.
فقال له أبي: قد كبرت عن الرمي فهل رأيت أن تعفيني؟
فقال: وحق من أعزنا بدينه ونبيه محمد (صلى الله عليه وآله) لا أعفيك، ثم أومى إلى شيخ من بني أمية وقال: أعطه قوسك، فتناول أبي عند ذلك قوس الشيخ ثم تناول منه سهما فوضعه في كبد القوس، ثم انتزع السهم ورمى الغرض فنصبه فيه، ثم رمى الثانية فشق فوافق سهمه إلى نصله، ثم تابع الرمي حتى شق تسعة أسهم بعضا في جوف بعض وهشام يضطرب في مجلسه فلم يتمالك أن قال: أجدت يا أبا جعفر وأنت أرمى العرب والعجم، زعمت أنك كبرت عن الرمي؟ ثم أدركته ندامة على ما قال، وكان هشام لم يكن أجل [كنى أحدا] قبل أبي ولا بعده في