بيد أن تأثيره الفكري فيمن التقى بهم حمل السلطة الأموية على إطلاق سراحه كما تفيد رواية أبي بكر الحضرمي، حيث يقول:
لما حمل أبو جعفر إلى الشام إلى هشام بن عبد الملك، وصار ببابه، قال هشام لأصحابه: إذا سكت من توبيخ محمد بن علي فلتوبخوه، ثم أمر أن يؤذن له، فلما دخل عليه أبو جعفر قال: السلام عليكم، وأشار بيده، فعمهم جميعا بالسلام، ثم جلس، فازداد هشام عليه حنقا بتركه السلام بالخلافة، وجلوسه بغير إذن. فقال: يا محمد بن علي لا يزال الرجل منكم قد شق عصا المسلمين، ودعا إلى نفسه وزعم أنه الإمام سفها وقلة علم، وجعل يوبخه. فلما سكت هشام، أقبل القوم عليه رجلا بعد رجل يسيء الأدب مع الإمام (عليه السلام)، فلما سكت القوم نهض الإمام (عليه السلام) قائما ثم قال: أيها الناس أنى تذهبون وأنى يراد بكم؟ بنا هدى الله أولكم، وبنا يختم آخركم، فإن يكن لكم ملك معجل فإن لنا ملكا مؤجلا، وليس من بعد ملكنا ملك لأنا أهل العاقبة، ويقول الله عز وجل: (والعاقبة للمتقين). فأمر به هشام إلى الحبس. فلما صار في الحبس تكلم، فلم يبق في الحبس رجل إلا ترشفه وحسن عليه، فجاء صاحب السجن إلى هشام، وأخبره بخبره، فأمر به فحمل على البريد، هو وأصحابه ليردوا إلى المدينة.
وإذا كانت رواية الحضرمي تؤكد إن إطلاق سراح الإمام (عليه السلام) من السجن الأموي كان بسبب تأثيره بالسجناء الذين التقى بهم، فإن رواية محمد بن جرير الطبري في دلائل الإمامة، تفيد أن إطلاق سراحه إنما جاء بسبب تأثيره على جماهير دمشق على إثر مناظراته لزعيم النصارى هناك ودحض آرائه، وتبيان زيفها، والرد على كل الشبهات التي أثارها حول الإسلام، على أنه ليس هناك من تعارض بين الروايتين إذ لا مانع من وقوع الحادثتين معا، فإن الإمام (عليه السلام) إنما يتبع الهدى والحق أينما حل، طليقا كان هو أم معتقلا، ما دام هناك إنسان يلقي السمع وهو شهيد.