(بل هو الكذاب)، فيما يظهران من الإسلام وردا على فلما صرفتهما إلى المدينة مالا على القسيسين والرهبان من كفار النصارى وتقربا إليهم بالنصرانية، فكرهت أن أنكل بهما لقرابتهما فإذا قرأت كتابي هذا فناد في الناس برئت الذمة ممن يشاريهما أو يبايعهما أو يصافحهما أو يسلم عليهما فإنهما قد ارتدا عن الإسلام. فورد البريد إلى مدينة مدين.
فلما شارفنا مدين قدم أبي غلمانه ليرتادوا لنا منزلا ويشتروا لنا ولدوابنا طعاما وعلفا، فلما قرب غلماننا من باب المدينة أغلقوا الباب في وجوههم وشتموهم وذكروا علي بن أبي طالب (عليه السلام) ونالوا منه، وقالوا: لا نزول لكم عندنا ولا بيع ولا شراء يا كفار يا مشركين يا مرتدين يا كذابين يا أشر الخلق أجمعين.
فوقف غلماننا على الباب حتى انتهينا إليهم، فكلمهم أبي ولين لهم القول وقال لهم: اتقوا الله ولا تغلطوا فلسنا كما بلغكم ولا نحن كما يقولون فأسمعونا، وقال لهم: إن كنا كما قلتم فافتحوا لنا الباب وشارونا وبايعونا كما تشارون وتبايعون اليهود والنصارى.
فقالوا: إن هؤلاء يؤدون الجزية وأنتم ما تؤدون الجزية.
فقال لهم أبي: افتحوا لنا الباب وأنزلونا وخذوا منا الجزية كما تأخذون منهم.
فقالوا: لا نفتح لكم الباب ولا كرامة لكم حتى تموتوا على ظهور دوابكم جياعا أو تموت دوابكم تحتكم. فوعظهم أبي فازدادوا عتوا ونفورا فثنى أبي رجله عن سرجه ثم قال لي: مكانك يا جعفر لا تبرح، ثم صعد الجبل المطل على مدينة مدين وهم ينظرون إليه ما يصنع، فلما صار في أعلاه استقبل بوجهه المدينة ثم وضع إصبعيه في أذنيه، ثم نادى بأعلى صوته: ﴿وإلى مدين أخاهم شعيبا - إلى قوله - بقية الله خير لكم﴾ (1) فأمر الله ريحا سوداء مظلمة فهبت