عسف من أهل العسف وخسف، ودونهم بلايا تنقضي. ثم تصير إلى رخاء. ثم اعلم أن إخوان الثقة ذخائر بعضهم لبعض، ولولا أن تذهب بك الظنون عني لجليت لك عن أشياء من الحق غطيتها، ولنشرت لك أشياء من الحق كتمتها ولكني أتقيك وأستبقيك، وليس الحليم الذي لا يتقي أحدا في مكان التقوى والحلم لباس العالم، فلا تعرين منه، والسلام " (1).
والرسالة الثانية ينقلها إلينا نفس المصدر وهي أيضا إلى سعد الخير، حيث كتب إليه أبو جعفر يقول فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد: فقد جاءني كتابك تذكر فيه معرفة ما لا ينبغي تركه، وطاعة من رضى الله رضاه، فقبلت من ذلك لنفسك ما كانت نفسك مرتهنة لو تركته.
فعجب أن رضى الله وطاعته ونصيحته لا تقبل ولا توجد ولا تعرف إلا في عباد غرباء، أخلاء من الناس، قد اتخذتهم الناس سخريا لما يرمونهم به من المنكرات، وكان يقال: " لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون أبغض إلى الناس من جيفة الحمار " ولولا أن يصيبك من البلاء مثل الذي أصابنا فتجعل فتنة الناس كعذاب الله - وأعيذك بالله وإيانا من ذلك - لقربت على بعد منزلتك. واعلم - رحمك الله - أنه لا تنال محبة الله إلا ببغض كثير من الناس، ولا ولايته إلا بمعاداتهم، وفوت ذلك قليل يسير لدرك ذلك من الله لقوم يعلمون.
[أ] يا أخي إن الله عز وجل جعل في كل من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون معهم على الأذى، يجيبون داعي الله، ويدعون إلى الله، فأبصرهم رحمك الله فإنهم في منزلة رفيعة، وإن أصابتهم في الدنيا وضيعة، إنهم يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله من العمى. كم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من تائه ضال قد هدوه، يبذلون دماءهم دون