عطاه، وإنما يضل من لم يقبل منه هداه ثم أمكن أهل السيئات من التوبة بتبديل الحسنات، دعا عباده في الكتاب إلى ذلك بصوت رفيع لم ينقطع، ولم يمنع دعاء عباده، فلعن الله الذين يكتمون ما أنزل الله، وكتب على نفسه الرحمة، فسبقت قبل الغضب، فتمت صدقا وعدلا فليس يبتدئ العباد بالغضب قبل أن يغضبوه، وذلك من علم اليقين. وعلم التقوى وكل أمة قد رفع الله عنهم علم الكتاب حين نبذوه، ولاهم عدوهم حين تولوه، وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه، وحرفوا حدوده، فهم يروونه ولا يرعونه، والجهال يعجبهم حفظهم للرواية، والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية، وكان من نبذهم الكتاب أن ولوه الذين لا يعلمون، فأوردوهم الهوى وأصدروهم إلى الردى، وغيروا عرى الدين، ثم ورثوه في السفه والصبا. فالأمة يصدرون عن أمر الناس بعد أمر الله تعالى، وعليه يردون، بئس للظالمين بدلا ولاية الناس بعد ولاية الله، وثواب الناس بعد ثواب الله، ورضا الناس بعد رضا الله! فأصبحت الأمة كذلك وفيهم المجتهدون في العبادة على تلك الضلالة، معجبون مفتونون، فعبادتهم فتنة لهم ولمن اقتدى بهم، وقد كان في الرسل ذكرى للعابدين، إن نبيا من الأنبياء كان مستكمل الطاعة، ثم عصى الله تعالى في الباب الواحد، فيخرج به من الجنة.
وينبذ به في بطن الحوت، ثم لا ينجيه إلا الاعتراف والتوبة. فاعرف أشباه الأحبار والرهبان الذين ساروا بكتمان الكتاب وتحريفه، فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين، ثم اعرف أشباههم من هذه الأمة الذين أقاموا حروف الكتاب وحرفوا حدوده، فهم مع السادة والكثرة فإذا تفرقت قادة الأهواء كانوا مع أكثرهم دنيا.
ذلك مبلغهم من العلم، لا يزالون كذلك في طمع وطبع، فلا تزال تسمع صوت إبليس على ألسنتهم بباطل كثير، يصبر منهم العلماء على الأذى والتعنيف، ويعيبون على العلماء بالتكليف، والعلماء في أنفسهم خانة (1) إن كتموا