قال جابر: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): جعلت فداك إنك قد حملتني وقرا عظيما بما حدثتني به من سركم الذي لا أحدث به أحدا، فربما جاش في صدري حتى يأخذني منه شبه الجنون، قال: يا جابر، فإذا كان ذلك فأخرج إلى الجبان (1) فاحفر حفيرة ورد رأسك فيها، ثم قل: حدثني محمد بن علي بكذا وكذا. ثم طمه فأن الأرض تستر عليك، قال جابر: ففعلت ذلك فخف عني ما كنت أجده.
أقول: على رغم كل ذلك التعتيم الإعلامي، فقد هزت واقعة الطف في كربلاء عروش الحكام الظالمين وزلزلتها تحت أقدامهم، وأقضت مضاجعهم، وما ثورة المدينة المنورة، وثورة التوابين في الكوفة، وثورة الحسنيين محمد ذو النفس الزكية واخوه، في المدينة والبصرة والكوفة، وثورة الشهيد زيد بن علي في الكوفة، وثورة الحسين بن علي " صاحب فخ " بين مكة والمدينة وغيرها من الثورات التي اندلعت هنا وهناك على الحكام الجائرين إلا نماذج حية تحكى عن واقع المجتمع وتذمر الأمة الاسلامية من ظلم وجور الحكام الأمويين والعباسيين.
وعلى رغم كل تلكم الممارسات الظالمة والاجراءات التعسفية، المعروفة بالارهاب والتعتيم، وكم الأفواه، فقد شاع ما بين الخافقين مما وصل الينا من تراث وعلوم أئمتنا الطاهرين الشيء الكثير، لا سيما في فترة انقراض الحكم الأموي وتأسيس الحكم العباسي.
فقد وجد الإمامان الصادقان: أبو جعفر محمد بن علي الباقر، وأبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) الفرصة المناسبة لتأسيس مدرستيهم: الفقيهة والحديثية، وبث العلوم الإسلامية، من تفسير، وأصول، ومنطق وغيرها من العلوم الانسانية، وكان حصيلة ذلك ان ملأ الخافقين، وسد فجوات كبيرة، أحدثتها بعد ذلك تطورات الحياة الفكرية، والاجتماعية والسياسية، ولولاهم