وقال:
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم * من اللوم أو سدوا الذي سدوا أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا * وإن عاهدوا وفوا وان عقدوا شدوا فأنى تسد ثلمة أخي رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذ شفعوا، وشقيقه إذ نسبوا، ونديده إذ فشلوا، وذي قربى كنزها إذ فتحوا، ومصلي القبلتين إذ تحرفوا، والمشهود له بالايمان إذ كفروا، والمدعي لنبذ عهد المشركين إذ نكلوا، والخليفة على المهاد ليلة الحصار إذ جزعوا، والمستودع لاسرار ساعة الوداع؟ إلى آخر كلامه (1).
وله خطبة أخرى في الشام في مجلس هشام بن عبد الملك هذه المرة:
لما حمل أبو جعفر إلى الشام إلى هشام بن عبد الملك وصار ببابه، قال هشام لأصحابه: إذا سكت من توبيخ محمد بن علي فلتوبخوه، ثم أمر أن يؤذن له فلما دخل عليه أبو جعفر قال بيده: السلام عليكم، فعمهم بالسلام جميعا ثم جلس، فازداد هشام عليه حنقا بتركه السلام بالخلافة وجلوسه بغير اذن، فقال:
يا محمد بن علي لا يزال الرجل منكم قد شق عصا المسلمين، ودعا إلى نفسه، وزعم أنه الإمام سفها وقلة علم، وجعل يوبخه، فلما سكت أقبل القوم عليه رجل بعد رجل يوبخه. فلما سكت القوم نهض قائما ثم قال: أيها الناس أين تذهبون وأين يراد بكم، بنا هدى الله أولكم، وبنا ختم آخركم، فإن يكن لكم ملك معجل فإن لنا ملكا مؤجلا، وليس بعد ملكنا ملك لأنا أهل العاقبة، يقول الله عز وجل: (والعاقبة للمتقين). فأمر به إلى الحبس، فلم يبق في الحبس رجل الا ترشفه (2). وحسن عليه، فجاء صاحب الحبس إلى هشام وأخبره بخبره، فأمر به فحمل على البريد هو وأصحابه وردوا إلى المدينة (3).