وإن خطبت لم تزوج. وأوصيك بخمس: إن ظلمت فلا تظلم، وإن خانوك فلا تخن، وإن كذبت فلا تغضب، وإن مدحت فلا تفرح، وإن ذممت فلا تجزع.
وفكر فيما قيل فيك، فإن عرفت من نفسك ما قيل فيك فسقوطك من عين الله جل وعز عند غضبك من الحق أعظم عليك مصيبة مما خفت من سقوطك من أعين الناس. وإن كنت على خلاف ما قيل فيك، فثواب اكتسبته من غير أن يتعب بدنك.
واعلم بأنك لا تكون لنا وليا حتى لو اجتمع عليك أهل مصرك وقالوا:
إنك رجل سوء لم يحزنك ذلك، ولو قالوا: إنك رجل صالح لم يسرك ذلك.
ولكن اعرض نفسك على كتاب الله، فإن كنت سالكا سبيله زاهدا في تزهيده راغبا في ترغيبه خائفا من تخويفه فاثبت وأبشر، فإنه لا يضرك ما قيل فيك. وإن كنت مباينا للقرآن فماذا الذي يغرك من نفسك. إن المؤمن معني بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها فمرة يقيم أودها ويخالف هواها في محبة الله ومرة تصرعه نفسه فيتبع هواها فينعشه الله فينتعش ويقيل الله عثرته فيتذكر ويفزع إلى التوبة والمخافة فيزداد بصيرة ومعرفة لما زيد فيه من الخوف وذلك بأن الله يقول:
﴿إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون﴾ (1).
يا جابر استكثر لنفسك من الله قليل الرزق تخلصا إلى الشكر، واستقلل من نفسك كثير الطاعة لله إزراء على النفس وتعرضا للعفو. وادفع عن نفسك حاضر الشر بحاضر العلم. واستعمل حاضر العلم بخالص العمل. وتحرز في خالص العمل من عظيم الغفلة بشدة التيقظ. واستجلب شدة التيقظ بصدق الخوف. واحذر خفي التزين بحاضر الحياة وتوق مجازفة الهوى بدلالة العقل.
وقف عند غلبة الهوى باسترشاد العلم. واستبق خالص الأعمال ليوم الجزاء.
وانزل ساحة القناعة باتقاء الحرص. وادفع عظيم الحرص بإيثار القناعة.