قال له الإمام: قل: " فقد أغرق نزعا ولا تطيش سهامي " التفت الكميت إلى النكتة في ذلك، فقال للإمام: أنت أشعر مني في هذا المعنى، ولما فرغ الكميت من إنشاد رائعته توجه الإمام نحو الكعبة، وأخذ يدعو له قائلا:
" اللهم ارحم الكميت، واغفر له ".
وكرر الدعاء بالمغفرة له ثلاث مرات، ثم قال له: يا كميت هذه مائة ألف قد جمعتها لك من أهل بيتي، فأبى الكميت من قبولها واعتذر بأنه يطلب المكافأة من الله تعالى، وطلب من الإمام (عليه السلام) أن يتكرم عليه بقميص من قمصه، فأعطاه ذلك (1).
وخرج الكميت من الإمام فقصد عبد الله بن الحسن فأنشده رائعته فأعجب بها عبد الله وقال له:
" يا أبا المستهل، أتيناك بجهد المقل، ونحن في دولة عدونا، وقد جمعنا هذا المال، وفيه حلي النساء، فاستعن به على دهرك ".
وأبى الكميت قبوله قائلا:
" بأبي أنتم وأمي قد أكثرتم، وأطيبتم، وما أردت بمدحي إياكم إلا الله ورسوله، ولم أك لآخذ ثمنا من الدنيا، فاردده إلى أهله ".
وجهد عبد الله أن يقبل الكميت تلك الأموال فأبى وامتنع (2).
وأنشد الكميت اللامية من هاشمياته أمام الإمام أبي جعفر (عليه السلام) وقد أخذت منه مأخذا عظيما، فقد تركت في نفسه أعظم الأثر، كونه عرض فيها إلى الأحداث السياسية المؤلمة في ذلك العصر، وما حل بأهل البيت (عليهم السلام) من صنوف التنكيل والإرهاق، يقول في مطلعها:
ألا هل عم في رأيه متأمل * وهل مدبر بعد الإساءة مقبل