ذهب الذين يعاش في أكنافهم * لم يبق الا شامت أو حاسد وبقي على ظهر البسيطة واحد * فهو المراد وأنت ذاك الواحد (1) كان الكميت مقيما في الكوفة، فاشتد به الوجد إلى رؤية الإمام فسافر إلى يثرب، ولما مثل عند الإمام تلا عليه قصيدته التي يذكر فيها تعطشه لرؤيته، يقول فيها:
كم جزت فيك من أحواز وايقاع * وأوقع الشوق بي قاعا إلى قاع يا خير من حملت أنثى ومن وضعت * به إليك غدا سيري وإيضاعي أما بلغتك فالآمال بالغة * بنا إلى غاية يسعى لها الساعي من معشر شيعة لله ثم لكم * صور إليكم بأبصار واسماع دعاة أمر ونهي عن أئمتهم * يوصي بها منهم واع إلى واعي لا يسأمون دعاء الخير ربهم * أن يدركوا فيلبوا دعوة الداعي (2) وصورت هذه الأبيات عظيم ولائه للإمام، وما عاناه من جهد الطريق، وعناء السفر في سبيل رؤيته والالتقاء به.
وكان الكميت قد ولد في السنة التي استشهد بها أبو الأحرار الإمام الحسين (عليه السلام) ولما ترعرع، وفهم الحياة رأى الناس قد أذهلتهم أهوال تلك المأساة الخالدة في دنيا الأحزان، وهم يرددون في أنديتهم ومجالسهم ما عاناه ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) من فوادح المحن والخطوب، وقد هزت مشاعره وعواطفه، وملأت نفسه ألما عاصفا، وقد رثاه بذوب روحه في كثير من شعره، ويقول: الرواة إنه نظم قصيدة في رثاء الحسين ووفد على الإمام أبي جعفر الباقر أيام التشريق في منى ليتلوها عليه فلما مثل عنده قال له:
يا بن رسول الله قد قلت فيكم أبياتا من الشعر، أفتأذن لي في إنشادها؟