ومنهج، وإمعانا في استكمال الانحراف، لمحو آثارهم، فكريا وفقهيا وسيرة، وحتى قبورهم جرت محاولات عديدة لمحو وجودها.
ومن هنا فلسنا نغالي إذا قطعنا بأن ما بين أيدينا من سيرة الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)، إنما هو شذرات يسيرة لا تعكس إلا جزءا صغيرا من واقعهم المشرق.
كل ذلك بسبب الملاحقة لهم، ولأتباعهم من بعدهم، وبسبب النكبات التي حلت بالمؤسسات العلمية التي حفظت آثارهم، عبر مراحل عديدة من تاريخنا المشرق الدامي، القديم والحديث.
ومن هنا فإن الباحث في حياتهم، يجد صعوبة إذا شاء تكوين فكرة ناضجة عن كل إمام، لقلة الآثار التي دونت سيرتهم، نظرا لمطاردتهم وملاحقتهم، بيد أنه بالرغم من ذلك فإن الروايات المتناثرة التي تعكس الوجه العملي من شخصيات الأئمة (عليهم السلام)، تشكل أساسا متينا لرسم صورة حية - وإن لم تكن متكاملة - لسيرتهم العطرة.
وحيث أننا نتناول دراسة البعد الروحي من شخصية الإمام الباقر (عليه السلام) فإن بعض النشاطات العبادية التي حفظتها لنا سيرته (عليه السلام)، بالرغم من محدوديتها، تصلح مادة حية لخلق تصور عميق للبعد الشاهق لروحية الإمام (عليه السلام) وعمق تعلقه بربه الأعلى سبحانه وتعالى، فكان (عليه السلام) من أئمة المتقين في الإسلام، فقد عرف الله معرفة استوعبت دخائل نفسه، فأقبل على ربه بقلب منيب، وأخلص في طاعته كأعظم ما يكون الإخلاص.
أما مظاهر عبادته: فعن الإمام الصادق (عليه السلام)، قال: كان أبي كثير الذكر، لقد كنت أمشي معه وإنه ليذكر الله، وآكل معه الطعام وإنه ليذكر الله، ولقد كان يحدث القوم وما يشغله ذلك عن ذكر الله، وكنت أرى لسانه لازقا بحنكه يقول: لا إله إلا الله، وكان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتى تطلع الشمس، ويأمر بالقراءة من كان يقرأ