أما اني ما ألوم نفسي على تقصير واني لمقاساة الحرب لجدير، واني لأتقدم على الأمر واعرف وجه الحزم وأقوم فيكم بالرأي المصيب وأستنصركم معلنا وأناديكم نداء المستغيث فلا تسمعون لي قولا ولا تطيعون لي أمرا حتى تصير بي الأمور إلى عواقب المساءة، فأنتم القوم لا يدرك بكم الثار ولا تنفض بكم الأوتار، دعوتكم إلى غياث إخوانكم منذ بضع وخمسين ليلة فتجرجرتم جرجرة الجمل الأشدق وتثاقلتم إلى الأرض تثاقل من ليست له نية في جهاد العدو ولا اكتساب الأخر، ثم خرج إلي جنيد متذانب كأنهم يساقون إلى الموت وهم ينظرون.
وكتب " ع " إلى عبد الله وهو بالبصرة: أما بعد فان مصر قد فتحت ومحمد بن أبي بكر قد استشهد فعند الله نحتسبه ولدا ناصحا وعاملا كادحا وسيفا قاطعا وركنا رافعا وقد كنت حثثت الناس على لحاقه وأمرتهم بغياثه ودعوتهم سرا وجهرا وعودا وبدء فمنهم الآتي كارها ومنهم المعتل كاذبا ومنهم القاعد خاذلا واسأل الله أن ان يجعل لي منهم فرجا عاجلا فوالله لولا طمعي عند لقائي في الشهادة وتوطيني نفسي عل المنية لأحببت ان لا أبقى مع هؤلاء يوما واحدا ولا التقى بهم أبدا.
(وأما مالك بن الحرث الأشتر النخعي): كان عالما عاملا شجاعا رئيسا شديد المحبة لأمير المؤمنين " ع ". وقد ذكرنا سابقا شيئا من موقفه مع أمير المؤمنين ونصرته للحق في مجلس غزواته " ع "، وذكرنا خبر وفاته فيما مضى عن قريب وكان مالك يجمع بين اللين والعنف.
فقد روى في بعض الكتب: انه (ره) مر يوما في السوق وكان طويل القامة لا يلبس إلا لبسته الفاخرة وقد لبس قميصا من الكرباس وتعمم بعمامة من ذلك القميص فعبث به بعض أهل السوق ولم يعرفه، فلم يتكلم الأشتر ومضى مسرعا، فأخبر ذلك الرجل انه كان الأشتر صاحب أمير المؤمنين " ع "، فخاف ذلك الرجل وقال:
ثكلتني أمي لم اعرفه، ثم سار في طلبه ليعتذر إليه فوجده في مسجد يصلي، فدخل عليه وطلب منه العفو، فقال مالك (ره): والله لم ادخل هذا المسجد إلا للاستغفار لك.