وسقطت على وجهي مغشيا علي وجعلوا يرشون الماء على وجهي، فلما أفقت قلت لهم:
ما فعل الإمام (ع) بعدي؟ قال المقداد: نظرنا إليه تحت جحفته كأنه الأسد، فمر ينظر وهو يتقرب من النار والأحجار تسقط عليه، ثم زعق زعقة فظننت أن السماء قد وقعت على الأرض، فأجابته الأصوات من كل جانب، فسمعته يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وكان قد قال لنا: ان رجعت إليكم صلاة العصر وإلا فارجعوا إلى المدينة واقرؤا رسول الله (ص) مني السلام وأخبروه بما شاهدتم.
قال قيس: فوالله لقد سمعنا ذو الفقار في كف الامام وصوته كالرعد العاصف وهو يتبع الضربة بالصيحة تتلف منها النفوس، ونحن نقول: وعدك وعدك يامن لا يخلف الميعاد، اللهم لا تفجع به قلب نبيك، اللهم لا تفجع به قلب الزهراء، اللهم لا تفجع به قلب الحسن والحسين.
قال عمار: ثم انقطع عنا صوته، وكنا نركن إلى صوته، ثم عظم الدخان وانتشر على وجه الأرض حتى لا يرى الرجل صاحبه، فأصغينا إلى القصر سمعنا الزبير وقام بالأبصار وإذا بنا لا نرى له أثرا ولم نسمع له صوتا.
فقال الزبير يا قوم ان الرأي ان نقوم ونفتح الباب وننظر ما يكون من الإمام (ع) قال المسلمون: إنا لك تبع، فأنا لم نصبر على ابن عم رسول الله، فقام الزبير وقام المسلمون وركبوا خيولهم وجعلوا يسيرون حتى قربوا من باب القصر.
قال عمار: فبينما نحن كذلك إذ خرج علينا من باب القصر ثعبان عظيم الخلقة له دوي كالرعد الزاحف، فلما رآنا قصد إلينا فهزمنا من بين يديه وهو يطردنا حتى إذا قرب منا عارض خيولنا فأحرقها ولم يبق إلا فرس رسول الله صلى الله عليه وآله وصارت رمادا! ثم عاد ودخل القصر على أمير المؤمنين (ع).
قال الزبير فلما رأينا ذلك فزعنا فزعا سديدا وآيسنا ان لا نرى الإمام عليه السلام ثم رجعنا إلى قول الله عز وجل لنبيه ان يرده إليه سالما، فبينما نحن كذلك إذ طلع رجل من الجبل وهو يقول ادركوا صاحبكم فخذوا بثاره! فصاح به المسلمون: أنت إبليس اللعين، فغاب من بين أيدينا.