فأحصيت تكبيراته في تلك الليلة، فكانت خمسمائة وثلاثة وعشرين تكبيرة بخمس مائة وثلاثة وعشرين فارسا قتيلا، وعرفوا قتلاه نهارا بضرباته، فإنها كانت على وتيرة واحدة ان ضرب طولا قده وان ضرب عرضا قطه، وكانت كأنها مكواة، وفي تلك الليلة فتق درعه لثقل ما كان يسيل من كثرة الدم في دراعته.
قال جابر بن نمير: والله لكأني اسمع عليا يوم الهرير، وذلك بعد ما طحنت رحى مذحج فيما بينها وبين عك ولخم وجذام والأشعريين بأمر عظيم تشيب منها النواصي، حتى استقلت الشمس وقام قائم الظهر وعلي عليه السلام يقول لأصحابه: حتى متى نخلي بين هذين الحيين قد فنينا وأنتم وقوف تنظرون، أما تخافون مقت الله.
ثم استقبل القبلة ونادى: يا الله يا الله يا رحمن يا رحيم يا واحد يا أحد يا صمد يا الله يا إله محمد صلى الله عليه وآله وسلم اللهم إليك نقلت الأقدام ورفعت الأيدي ومدت الأعناق وشخصت الأبصار وطلبت الحوائج، اللهم إنا نشكو إليك فقد نبينا وغيبة ولينا وكثرة عدونا وتشتت أهوائنا، ربنا إفتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين سيروا على بركة الله ثم نادى: لا إله إلا الله والله أكبر كلمة التقوى.
قال: فلا والذي بعث محمدا بالحق نبيا ما سمعنا رئيس قوم منذ خلق الله السماوات أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب، انه قتل فيما ذكر العادون زيادة على خمسمائة من اعلام العرب، يخرج سيفه منحيا ويقول معذرة إلى الله وإليكم من هذا، لقد هممت ان أفلقه ولكن يحجزني عنه اني سمعت رسول الله (ص) يقول: لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي، وأنا أقاتل به دونه (ص). قال: كنا نأخذه فنقوضه ثم يتناوله من أيدينا فيقتحم به في عرض الصفوف فلا والله ما رأيت بأشد منه نكاية في عدوه قال: وصاح أصحاب معاوية والله لا نبرح اليوم العرصة حتى نموت أو يفتح لنا وصاح أصحاب أمير المؤمنين " ع ": والله لا نبرح اليوم العرصة حتى نموت أو يفتح لنا، فبادروا القتال رميا بالنبل حتى فنيت النبال وتطاعنوا بالرماح حتى تقصفت الرماح ثم نزل القوم عن خيولهم ومشى بعضهم لبعض بالسيوف حتى كسرت أجفانها وقام الفرسان في الركاب ثم اضطربوا بالسيوف وعمد الحديد، فلم يسمع السامعون إلا تغمغم