الفناء إلا ما أخاف، وقد والله رقت الأجساد وذهبت الرجال ونحن بنو عبد مناف ليس لبعضنا فضل على بعض يستذل به عزيز ويسترق به حر!
فأجابه عليه السلام: أما قولك ان الحرب قد أكلت العرب إلا حشاشات أنفس بقيت، ألا ومن أكله الحق فإلى النار، واما طلبتك الشام فاني لم أكن لأعطيك اليوم ما منعتك أمس، وأما استواءنا في الخوف والرضا فلست أمضي على الشك مني على اليقين وليس أهل الشام على الدنيا بأحرص من أهل العراق على الآخرة، وأما قولك نحن بنو عبد مناف، فكذلك نحن وليس أمية كهاشم ولا حرب كعبد المطلب ولا أبو سفيان كأبي طالب، ولا الطليق كالمهاجر، ولا الصريح كاللصيق، ولا المحق كالمبطل، ولا المؤمن كالمدغل، وفي أيدينا فضل النبوة التي ذللنا بها العزيز ونعشنا بها الذليل.
وفوض معاوية لابن الخديج الكندي ان يكاتب الأشعث والنعمان بن بشير وان يكاتب قيس بن سعد في الصلح، ثم انفذ عمرو وعتبة وحبيب بن مسلمة والضحاك بن قيس إلى أمير المؤمنين (ع)، فلما كلموه؟ قال أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فان يجيبوا إلى ذلك فللرشد أصبتم، وان تابوا لم تزدادوا من الله إلا بعدا، فقالوا قد رأينا ان تنصرف عنا فنخلي بينكم وبين عراقكم وتخلون بيننا وبين شامنا! فقال (ع) لم أجد إلا القتال أو تتبعون السنة والكتاب.
قال وانصرفوا، ثم برز الأشتر وقال: سووا صفوفكم، ونادى أمير المؤمنين (ع) (قاتلوا أئمة الكفر فإنهم لا ايمان لهم لعلهم ينتهون) ألا ان خضاب النساء الحناء، وخضاب الرجال الدماء والصبر خير من عواقب الأمور، ألا انها أحن بدرية وضغائن أحدية وأحقاد جاهلية، ثم تقدم عليه السلام وهو يرتجز ويقول:
دبوا دبيب النمل لا تفوتوا * واصبحوا في حربكم وبيتوا كما تنالوا الدين أو تموتوا * أو لا فاني طالما عصيت قد قلتموا لو جئتنا فجيت فحمل في سبعة عشر ألف رجل فكسروا الصفوف، فقال معاوية لعمرو اليوم صبر وغدا فخر! فقال عمرو صدقت يا معاوية ولكن الموت حق والحياة باطل، ولو حمل علي في أصحابه حملة أخرى فهو البوار، فقال أمير المؤمنين (ع) لأصحابه: ما انتظاركم ان كنتم تريدون الجنة، فبرز أبو الهيثم بن التيهان قائلا: