قال المسعودي: فصلى علي (ع) أربع ركعات وعفر خديه على التراب وقد خالط ذلك دموعه، ثم رفع يديه يدعو ويقول في دعائه: اللهم رب السماوات وما أظللت، ورب الأرضين وما أقلت ورب العرش العظيم هذه البصرة أسئلك من خيرها وأعوذ بك من شرها، اللهم أنزلنا فيها منزل خير وأنت خير المنزلين، اللهم هؤلاء القوم قد خلعوا طاعتي وبغوا علي ونكثوا بيعتي، اللهم أحقن دماء المسلمين، ثم تقاربوا وتعبأوا لابسين سلاحهم ودروعهم متأهبين للحرب، وكل ذلك وعلي (ع) بين الصفتين عليه قميص ورداء وعمامة سوداء وهو راكب على بغلته.
فلما رأى أنه لم يبق إلا مصافحة الصفاح والمطاعنة بالرماح، صاح (ع) بأعلى صوته: أين الزبير ابن العوام فليخرج إلي؟ فقال الناس: يا أمير المؤمنين أتخرج إلى الزبير وأنت حاسر وهو مدجج بالحديد! فقال (ع): ليس علي منه بأس، ثم نادى ثانية؟ فخرج إليه ودنى منه فقال (ع): يا أبا عبد الله ما حملك على ما صنعت؟ فقال الطلب بدم عثمان! فقال (ع): عثمان أنت وأصحابك قتلتموه، فيجب عليك ان تقيد من نفسك، ولكن أنشدك بالله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل القرآن على نبيه محمد (ص) أما تذكر يوم قال لك رسول الله (ص) أتحب عليا؟ فقلت وما يمنعني من حبي له وهو ابن خالي. فقال لك: اما أنت فتخرج عليه يوما وأنت عليه ظالم، فقال الزبير اللهم بلى فقد كان ذلك! فقال (ع) فأنشدك الله الذي أنزل القرآن على نبيه محمد (ص) أما تذكر يوما جاء رسول الله (ص) من عند ابن عوف وأنت معه وهو آخذ بيدك فاستقبلته أنا فسلمت عليه فضحك في وجهي وضحك أنا إليه. فقلت أنت لا يدع ابن أبي طالب زهوه ابدا، فقال لك النبي: مهلا يا زبير فليس به زهو، ولتخرجن عليه يوما وأنت ظالم له. فقال الزبير اللهم بلى ولكن نسيت! فلأن ذكرتني ذلك فلأصرفن عنك ولو ذكرت ذلك لما خرجت عليك ثم رجع إلى عائشة فقالت ما ورائك يا أبا عبد الله.
فقال الزبير والله اني ما وقفت موقفا في شرك ولا إسلام إلا ولي فيه بصيرة وانا اليوم على شك من أمري وما أكاد ان أبصر موضع قدمي ثم شق الصفوف وخرج من بينهم فلقيه عبد الله ابنه فقال جبنا جبنا! فقال يا بني قد علم الناس اني لست بجبان،