المسلمين وانهزم أبو بكر وجاء إلى رسول الله، فبعث عمر فهزموه مرة أخرى، فساء النبي (ص) ذلك فقال عمرو بن العاص: إبعثني يا رسول الله فإن الحرب خدعة ولعلني أخدعهم، فأنفذه مع جماعة، فلما صاروا إلى الوادي خرجوا إليه فهزموه وقتلوا جماعة من أصحابه، ثم دعى بأمير المؤمنين وبعثه إليه وشيعه إلى مسجد الأحزاب وأنفذه مع جماعة منهم أبو بكر وعمر وعمرو بن العاص، فسار بهم نحو العراق منكبا عن الطريق حتى ظنوا انه يريد بهم غير ذلك الوجه ثم أخذ بهم على طريق غامضة واستقبل الوادي وكان " ع " يسير الليل ويكمن النهار، فلما قرب من الوادي أمر أصحابه أن يخفوا حسهم فوقفوا مكانا وتقدم أمامهم ناحية فلما رأى عمر بن العاص فعله لم يشك في كون الفتح له فخوف أبا بكر وقال له إن هذه أرض ذات سباع وذئاب كثيرة الحجارة وهي أشد علينا من بني سليم والمصلحة أن نعلوا الوادي وأراد فساد الحال على أمير المؤمنين حسدا له وبغضا، فأمره أن يقول ذلك لأمير المؤمنين، فقال له أبو بكر فلم يجبه بحرف واحد، فرجع أبو بكر وقال والله ما أجابني بحرف واحد فقال عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب امض إليه فخاطبه، ففعل فلم يجبه أمير المؤمنين " ع " بشئ فقال عمر: نضيع أنفسنا انطلقوا بنا نعلوا الوادي، فقال المسلمون إن النبي أمرنا أن لا نخالف عليا فكيف نخالفه ونسمع قولك، فما زالوا حتى طلع الفجر، فكبس القوم وهم غافلون فأمكنهم الله منهم، فنزل جبرئيل على النبي (ص) بسورة العاديات فقال إقرأ يا محمد: (والعاديات ضبحا فالموريات قدحا فالمغيرات صبحا) - إلى آخر السورة، قسما منه تعالى بخيل أمير المؤمنين، وعرفه الحال ففرح النبي وبشر أصحابه بالفتح وعرفهم وأمرهم بالاستقبال لأمير المؤمنين " ع "، فخرجوا والنبي يقدمهم فلما رأى أمير المؤمنين النبي ترجل عن فرسه فوقف بين يديه فقال (ص) لولا أني أشفق أن تقول فيك أمتي ما قالت النصارى في المسيح لقلت فيك اليوم مقالة لا تمر بملأ منهم إلا أخذوا التراب من تحت قدميك للبركة فإن الله تعالى ورسوله عنك راضيان.
(٢٠٦)