المتأخرين هذا ويمكن ان يقال إن الأخبار المذكورة معارضة نفسها لأدلة تنجس القليل فتخصصها لأن النجاسة في الشرع إما وجوب الاجتناب عن الشئ في الصلاة والاكل وما الحق بهما كما في قواعد الشهيد قده أو صفة منتزعة عن هذه الأحكام فإذا حكم الشارع بأنه لا باس بالثواب الواقع في ماء الاستنجاء فهو كالتصريح بجواز الصلاة والطواف فيه وإذا لم ينجس الطعام المطبوخ به جاز اكله فإذا لم يجب الاجتناب عنه في الصلاة ولا في الاكل لم يكن نجسا واما ساير الأحكام كحرمة شربه وادخاله المسجد ونحوهما فإنما جاء من أدلة وجوب الاجتناب عن النجس والمفروض عدمه ويمكن ان يستفاد ذلك من التعليل المتقدم في قوله (ع) لأن الماء أكثر من القذر بناء على أن ظاهره عدم انفعال الماء بالقذر وعدم تأثره منه بل استهلاكه له وهذا الكلام من قبيل قوله (ع) فيما ورد على الثوب من ماء المطر الواقع على النجاسة لا باس ما اصابه من الماء أكثر فتأمل ثم المراد بالعفو الاجماع على عدم تنجس ملاقيه يحتمل أمورا (الأول) ان يكون حكمة في الطهارة كما حكى عن بعض فيكون الاختلاف في التعبير وهو بعيد وتمسكهم بالحرج في الاجتناب لا اشعار فيه به فضلا عن الدلالة (الثاني) ان يكون نجس معفوا عنه على الاطلاق بمعنى ان لا يحكم عليه بتكليف من التكاليف المتفرعة على النجاسة وهو الذي استظهره المحقق الثاني من النص وكلام الأصحاب والظاهر رجوع هذا إلى القول بالطهارة بناء على أن النجاسة حكم شرعي بالاجتناب في أمور أو منتزعة من ذلك الحكم الشرعي نعم يظهر الثمرة في غير الأحكام الشرعية من الخواص وفى الأحكام الشرعية الغير الالزامية المتعلقة بالنجس عدا ما أجمع على وحدة حكم الطهارة والنجاسة في واجبه ومستحبه كالصلاة ولو قلنا بان الطهارة أمر وجودي لا مجرد عدم النجاسة ظهرت الثمرة في الأمور المشروطة بالطهارة إذا لا يكفي حينئذ ارتفاع حكم النجاسة عن هذا الماء (الثالث) وهو الذي استظهره في المدارك عن عبارة الذكرى إذ لا يجب الاجتناب عنه فيجوز شربه واكل الطعام المختلط به وحمله في الصلاة وادخاله في المسجد ولا يجب ازالته مما يجب تطهيره ولا ينفع في جواز التطهير به حاصله انه لا يترتب عليه اثاره وتسميته عفوا باعتبار عدم وجوب الاجتناب عنه (الرابع) ان لا يتعدى نجاسة إلى ملاقيه فهو معفو عنه من حيث السراية وهو ظاهر ما تقدم من المصباح السرائر وظاهر المنتهى حيث قال عفى عن ماء الاستنجاء إذا وقع شئ منه على ثوبه وبدنه وقد عرفت ان ظاهر اخبار المسألة وكلمات من لم يصرح بالطهارة هو هذا الأخير ومنه يظهر ما في كلام جامع المقاصد على كلام الشهيد قده في الذكرى حيث قال ويظهر الثمرة بين العفو والطهارة في استعماله حيث قال عليه اللازم أحد الامرين إما عدم اطلاق العفو عنه واما القول بطهارته لأنه إذا باشره بيده ثم باشر ماء قليلا فلم يمنع الوضوء منه كان طاهرا لا محالة والا وجب من مباشرة ماء الوضوء إذا كان قليلا فلا يكون العفو مطلقا وهو خلاف ما يظهر من الخبر وكلمات الأصحاب انتهى إذ لا يخفى ان عدم تنجس لاقيه وصحة الوضوء بماء لاقاه على ما هو صريح الخبر وظاهر الأصحاب لا يوجب الحكم بجواز استعماله في إزالة الحدث والخبث وان أراد به ان ظاهر الخبر وكلام الأصحاب العفو المطلق يجعل وجود صفة النجاسة كعدمها فلا نسلم انه ظاهر كلام بعضهم فضلا عن جميعهم لما عرفت من كلمات من لم يصرح بالطهارة والأقوى على تقدير عدم القول بالطهارة بالعفو بالمعنى الرابع وعلى القول بالطهارة عدم جواز رفع الحدث به لاطلاق ما تقدم في حكم الغسالة من نقل الاجماع على أن ما يزال به النجاسة لا يرفع الحدث فتأمل إما جواز رفع الخبث به فلا يخلو عن قوة للاطلاقات السليمة واما الوضوء والغسل الغير الرافعين ففي جوازهما اشكال من الاطلاقات ومن أن الظاهر من الأوامر الواردة في الأغسال والوضوءات الغير الرافعة كونها على نحو الرافعية فإذا أمر الحايض بالوضوء أو بغسل الاحرام مثلا فكأنه وكل جميع ما يعتبر فيه إلى ما تقرر في الوضوء والغسل والواجبين مع أن الظاهر أن المراد من هذه الطهارات تنظيف يكون من شانه رفع الحدث إذا صادفه وهذا لا يخلو عن قوة ثم إن المصرح به في كلام جماعة عدم الفرق بين المخرجين وهو ظاهر كل من اطلق الاستنجاء بناء على شموله بشهادة جماعة لغسل مخرج البول وبه يستقيم الاستدلال العموم باطلاق لفظ الاستنجاء في الاخبار المؤيد بغلبته عدم تفارق التخلي من المخرجين ولا فرق أيضا بين المخرج الطبيعي وغيره إذا كان معتادا كما قيد به بعض بل مطلقا لاطلاق الأدلة ودعوى الانصراف لو تمت لم يدخل المعتاد من غير الطبيعي أيضا والانصاف ان للانصراف مراتب نعلم باعتبار بعضها واهمال بعضها الأخر فان انصراف هذا اللفظ إلى غسل موضع النجو وهو الغايط واضح لمن تتبع موارد استعماله في الاخبار وكلمات الأصحاب حيث يقابل الاستنجاء فيها بغسل مخرج البول مع أن مذهب الأصحاب كما في غير واحد عدم الفرق ولو تعدت النجاسة تعديا فاحشا يخرج ازالته عن اسم الاستنجاء فلا ريب في عدم دخوله تحت الاطلاق لكن الظاهر الصدق مع تعديه بالخروج وإن كان على خلاف العادة مع اتحاد الموضع عرفا فالأقوى وإن كان خلاف الأحوط عموم العفو ما لم تتغير أحد أوصاف الماء المنفصل بالنجاسة المفروضة لعموم ما دل على نجاسة المتغير وإن كان أعم من اخبار الاستنجاء من وجه لكن عموم النجاسة أقوى مضافا إلى انصراف اخبار الباب إلى غير صورة التغير ومفهوم العلة في رواية العلل بناء على أن المراد بالأكثرية الماء من القذر استهلاكه له وعدم ظهور اثره فيه فلو ظهر اثر النجاسة في الماء لم يعف عنه ومن هنا يمكن توجيه ما ذكره بعضهم من اشتراط عدم زيادة وزن الماء بعد الاستعمال لظهور اثر النجاسة فيه حينئذ ولكنه ضعيف لضعف الاشعار في الرواية المذكورة والعمدة في حكم تغير الأوصاف الاجماع مع التشكيك في اطلاق اخبار الاستنجاء نعم ينبغي ان يستثنى من ذلك التغير الحاصل للجزء الأول من الماء الوارد على المحل خصوصا إذا ورد قليلا بالتدريج فان الاستنجاء
(٥٦)