كتاب الطهارة (ط.ق) - الشيخ الأنصاري - ج ١ - الصفحة ٥٦
المتأخرين هذا ويمكن ان يقال إن الأخبار المذكورة معارضة نفسها لأدلة تنجس القليل فتخصصها لأن النجاسة في الشرع إما وجوب الاجتناب عن الشئ في الصلاة والاكل وما الحق بهما كما في قواعد الشهيد قده أو صفة منتزعة عن هذه الأحكام فإذا حكم الشارع بأنه لا باس بالثواب الواقع في ماء الاستنجاء فهو كالتصريح بجواز الصلاة والطواف فيه وإذا لم ينجس الطعام المطبوخ به جاز اكله فإذا لم يجب الاجتناب عنه في الصلاة ولا في الاكل لم يكن نجسا واما ساير الأحكام كحرمة شربه وادخاله المسجد ونحوهما فإنما جاء من أدلة وجوب الاجتناب عن النجس والمفروض عدمه ويمكن ان يستفاد ذلك من التعليل المتقدم في قوله (ع) لأن الماء أكثر من القذر بناء على أن ظاهره عدم انفعال الماء بالقذر وعدم تأثره منه بل استهلاكه له وهذا الكلام من قبيل قوله (ع) فيما ورد على الثوب من ماء المطر الواقع على النجاسة لا باس ما اصابه من الماء أكثر فتأمل ثم المراد بالعفو الاجماع على عدم تنجس ملاقيه يحتمل أمورا (الأول) ان يكون حكمة في الطهارة كما حكى عن بعض فيكون الاختلاف في التعبير وهو بعيد وتمسكهم بالحرج في الاجتناب لا اشعار فيه به فضلا عن الدلالة (الثاني) ان يكون نجس معفوا عنه على الاطلاق بمعنى ان لا يحكم عليه بتكليف من التكاليف المتفرعة على النجاسة وهو الذي استظهره المحقق الثاني من النص وكلام الأصحاب والظاهر رجوع هذا إلى القول بالطهارة بناء على أن النجاسة حكم شرعي بالاجتناب في أمور أو منتزعة من ذلك الحكم الشرعي نعم يظهر الثمرة في غير الأحكام الشرعية من الخواص وفى الأحكام الشرعية الغير الالزامية المتعلقة بالنجس عدا ما أجمع على وحدة حكم الطهارة والنجاسة في واجبه ومستحبه كالصلاة ولو قلنا بان الطهارة أمر وجودي لا مجرد عدم النجاسة ظهرت الثمرة في الأمور المشروطة بالطهارة إذا لا يكفي حينئذ ارتفاع حكم النجاسة عن هذا الماء (الثالث) وهو الذي استظهره في المدارك عن عبارة الذكرى إذ لا يجب الاجتناب عنه فيجوز شربه واكل الطعام المختلط به وحمله في الصلاة وادخاله في المسجد ولا يجب ازالته مما يجب تطهيره ولا ينفع في جواز التطهير به حاصله انه لا يترتب عليه اثاره وتسميته عفوا باعتبار عدم وجوب الاجتناب عنه (الرابع) ان لا يتعدى نجاسة إلى ملاقيه فهو معفو عنه من حيث السراية وهو ظاهر ما تقدم من المصباح السرائر وظاهر المنتهى حيث قال عفى عن ماء الاستنجاء إذا وقع شئ منه على ثوبه وبدنه وقد عرفت ان ظاهر اخبار المسألة وكلمات من لم يصرح بالطهارة هو هذا الأخير ومنه يظهر ما في كلام جامع المقاصد على كلام الشهيد قده في الذكرى حيث قال ويظهر الثمرة بين العفو والطهارة في استعماله حيث قال عليه اللازم أحد الامرين إما عدم اطلاق العفو عنه واما القول بطهارته لأنه إذا باشره بيده ثم باشر ماء قليلا فلم يمنع الوضوء منه كان طاهرا لا محالة والا وجب من مباشرة ماء الوضوء إذا كان قليلا فلا يكون العفو مطلقا وهو خلاف ما يظهر من الخبر وكلمات الأصحاب انتهى إذ لا يخفى ان عدم تنجس لاقيه وصحة الوضوء بماء لاقاه على ما هو صريح الخبر وظاهر الأصحاب لا يوجب الحكم بجواز استعماله في إزالة الحدث والخبث وان أراد به ان ظاهر الخبر وكلام الأصحاب العفو المطلق يجعل وجود صفة النجاسة كعدمها فلا نسلم انه ظاهر كلام بعضهم فضلا عن جميعهم لما عرفت من كلمات من لم يصرح بالطهارة والأقوى على تقدير عدم القول بالطهارة بالعفو بالمعنى الرابع وعلى القول بالطهارة عدم جواز رفع الحدث به لاطلاق ما تقدم في حكم الغسالة من نقل الاجماع على أن ما يزال به النجاسة لا يرفع الحدث فتأمل إما جواز رفع الخبث به فلا يخلو عن قوة للاطلاقات السليمة واما الوضوء والغسل الغير الرافعين ففي جوازهما اشكال من الاطلاقات ومن أن الظاهر من الأوامر الواردة في الأغسال والوضوءات الغير الرافعة كونها على نحو الرافعية فإذا أمر الحايض بالوضوء أو بغسل الاحرام مثلا فكأنه وكل جميع ما يعتبر فيه إلى ما تقرر في الوضوء والغسل والواجبين مع أن الظاهر أن المراد من هذه الطهارات تنظيف يكون من شانه رفع الحدث إذا صادفه وهذا لا يخلو عن قوة ثم إن المصرح به في كلام جماعة عدم الفرق بين المخرجين وهو ظاهر كل من اطلق الاستنجاء بناء على شموله بشهادة جماعة لغسل مخرج البول وبه يستقيم الاستدلال العموم باطلاق لفظ الاستنجاء في الاخبار المؤيد بغلبته عدم تفارق التخلي من المخرجين ولا فرق أيضا بين المخرج الطبيعي وغيره إذا كان معتادا كما قيد به بعض بل مطلقا لاطلاق الأدلة ودعوى الانصراف لو تمت لم يدخل المعتاد من غير الطبيعي أيضا والانصاف ان للانصراف مراتب نعلم باعتبار بعضها واهمال بعضها الأخر فان انصراف هذا اللفظ إلى غسل موضع النجو وهو الغايط واضح لمن تتبع موارد استعماله في الاخبار وكلمات الأصحاب حيث يقابل الاستنجاء فيها بغسل مخرج البول مع أن مذهب الأصحاب كما في غير واحد عدم الفرق ولو تعدت النجاسة تعديا فاحشا يخرج ازالته عن اسم الاستنجاء فلا ريب في عدم دخوله تحت الاطلاق لكن الظاهر الصدق مع تعديه بالخروج وإن كان على خلاف العادة مع اتحاد الموضع عرفا فالأقوى وإن كان خلاف الأحوط عموم العفو ما لم تتغير أحد أوصاف الماء المنفصل بالنجاسة المفروضة لعموم ما دل على نجاسة المتغير وإن كان أعم من اخبار الاستنجاء من وجه لكن عموم النجاسة أقوى مضافا إلى انصراف اخبار الباب إلى غير صورة التغير ومفهوم العلة في رواية العلل بناء على أن المراد بالأكثرية الماء من القذر استهلاكه له وعدم ظهور اثره فيه فلو ظهر اثر النجاسة في الماء لم يعف عنه ومن هنا يمكن توجيه ما ذكره بعضهم من اشتراط عدم زيادة وزن الماء بعد الاستعمال لظهور اثر النجاسة فيه حينئذ ولكنه ضعيف لضعف الاشعار في الرواية المذكورة والعمدة في حكم تغير الأوصاف الاجماع مع التشكيك في اطلاق اخبار الاستنجاء نعم ينبغي ان يستثنى من ذلك التغير الحاصل للجزء الأول من الماء الوارد على المحل خصوصا إذا ورد قليلا بالتدريج فان الاستنجاء
(٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 في الماء المطلق 2
2 في الماء الجاري 7
3 في الماء المحقون 9
4 تحقيق الكلام في ماء البئر 25
5 في تنبيهات المسألة 41
6 في ماء المضاف وما يتعلق به 44
7 في تنبيهات المسألة 58
8 تحقيق الكلام في الأسئار 59
9 في الطهارة المائية 63
10 في الاحداث الموجبة للوضوء 64
11 في أحكام الخلوة 67
12 في الاستنجاء 70
13 في كيفية الاستنجاء 70
14 في سنن الخلوة 76
15 في مكروهات الخلوة 77
16 في كيفية الوضوء وواجباته ومنها النية 79
17 في كيفية نية الوضوء 81
18 في كفاية وضوء واحد لأسباب مختلفة له 100
19 في تداخل الأغسال 101
20 في غسل الوجه 108
21 في غسل اليدين 113
22 في مسح الرأس 116
23 في مسح الرجلين 124
24 في أن الترتيب واجب في الوضوء 132
25 في الموالاة 133
26 في بيان فرض الغسلات 137
27 في بيان اجزاء ما يسمى غسلا في الغسل 140
28 في الجبيرة 142
29 في عدم جواز تولية الغير فعلا من أفعال الوضوء 149
30 في عدم جواز مس كتابة القرآن للمحدث 151
31 في بيان حكم من به السلس 152
32 في بيان سنن الوضوء 154
33 في بيان احكام الوضوء المترتبة عليه 157
34 في تيقن الحدث والشك في الطهارة أو تيقنهما والشك في المتأخر 157
35 في حكم الشك في فعل من أفعال الطهارة قبل الفراغ 161
36 في الشك بعد الفراغ 163
37 في الشك في بعض أفعال الغسل والتميم قبل الفراغ وبعده 164
38 في وجوب إعادة الصلاة مع ترك غسل موضع النجاسة 165
39 في بيان احكام الخلل المترد وبين وضوئين 166
40 في ذكر بعض احكام الخلل في الوضوء 167
41 كتاب الغسل وغسل الجنابة في احكام الغسل 168
42 في احكام الحيض 182
43 في أن أكثر أيام الحيض عشرة 192
44 في بيان مقدار استقرار العادة 195
45 في حكم ذاة العادة إذا تجاوز دمها العشرة 205
46 في الاستحاضة والنفاس 243
47 في أن اعتبار أكثرية الدم وقلته بأوقات الصلاة أم لا؟ 251
48 في أن دم الاستحاضة إذا انقطع لم يجب الغسل 253
49 في وجوب معاقبة الصلاة للغسل 255
50 في منع الدم من الخروج بحسب الامكان 256
51 في النفاس 263