وربط به على قلوبهم، ولم يمنعهم من السير، وسال الوادي فشرب المؤمنون، وملأوا الأسقية، وسقوا الركاب، واغتسلوا من الجنابة، كما قال تعالى: * (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان، وليربط على قلوبكم ويثبت به الاقدام) * [الأنفال 11].
وأصاب المسلمين تلك الليلة نعاس ألقي عليهم فناموا، حتى أن أحدهم ذقنه بين يديه وما يشعر حتى يقع على جنبه.
وروى أبو يعلى والبيهقي في الدلائل عن علي رضي الله عنه قال: ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي تحت شجرة حتى أصبح.
وروى عبد بن حميد عن قتادة قال: كان النعاس أمنة من الله، وكان النعاس نعاسين:
نعاس يوم بدر ونعاس يوم أحد، وكانت ليلة الجمعة، وبين الفريقين قوز من الرمل. وبعث صلى الله عليه وسلم عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما، فأطافا بالقوم، ثم رجعا فأخبراه أن القوم مذعورون، وأن السماء تسح عليهم وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم عشاء، يبادرهم الماء فسبقهم إليه، ومنعهم من السبق إليه المطر، أرسله الله تعالى عليهم حتى جاء أدنى ماء من بدر، فنزل، فقال الحباب بن المنذر بن الجموح فيما رواه ابن إسحاق: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل [أمنزلا] أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدمه، ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال:
بل هو الرأي والحرب والمكيدة، قال: يا رسول الله، ليس هذا المنزل فانهض بالناس، حتى نأتي أدنى ماء من القوم، فننزله، ثم نغور ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضا فنملاه ماء [ثم نقاتل القوم] فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد أشرت بالرأي ". وذكر ابن سعد أن جبريل نزل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الرأي ما أشار به الحباب، فنهض صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس، حتى إذا أتى أدنى ماء من القوم نزل عليه نصف الليل، ثم أمر بالقلب فغورت، وبنى حوضا على القليب الذي نزل عليه فملأه ماء، ثم قذفوا فيه الآنية. فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله، ألا نبني لك عريشا تكون فيه، ونعد عندك ركائبك، ثم نلقى عدونا، فإن أعزنا الله تعالى وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بمن وراءنا من قومنا، فلقد تخلف عنك أقوام، يا نبي الله، ما نحن بأشد حبا لك منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حربا ما تخلفوا عنك، يمنعك الله بهم، يناصحونك ويجاهدون معك. فأثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا، ودعا له بخير، ثم بني لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريش على تل مشرف على المعركة، فكان فيه هو وأبو بكر وليس معهما غيرهما، وقام سعد بن معاذ رضي الله عنه على بابه متوشحا بالسيف، ومشى رسول الله صلى الله عليه وسلم في موضع المعركة، وجعل