رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف تقدم سواد بن غزية أمام الصف فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بطنه وقال: " استوا يا سواد "، قال: يا رسول الله أوجغتني والذي بعثك بالحق، أقدني. فكشف صلى الله عليه وسلم عن بطنه وقال: " استقد فاعتنقه وقبله " فقال: ما حملك على ما صنعت، فقال: حضر من أمر الله ما قد ترى، وخشيت أن أقتل فأردت أن أكون آخر عهدي بك، وأن أعتنقك.
وخطب صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " أما بعد فإني أحثكم على ما حثكم الله عز وجل عليه وأنهاكم عما نهاكم الله عز وجل عنه، فإن الله عز وجل عظيم شأنه، يأمر بالحق، ويحب الصدق، ويعطي على الخير أهله على منازلهم عنده، به يذكرون، وبه يتفاضلون، وإنكم قد أصبحتم بمنزل من منازل الحق، لا يقبل الله فيه من أحد إلا ما ابتغي به وجهه وإن الصبر في مواطن البأس مما يفرج الله عز وجل به الهم، وينجي به من الغم، وتدركون به النجاة في الآخرة، فيكم نبي الله يحذركم ويأمركم، فاستحيوا اليوم أن يطلع الله عز وجل على شئ من أمركم يمقتكم عليه، فإن الله عز وجل يقول: * (لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم) * [غافر 10] انظروا إلى الذي أمركم به من كتابه، وأراكم من آياته وأعزكم بعد الذلة، فاستمسكوا به يرض به ربكم عنكم، وأبلوا ربكم في هذه المواطن أمرا، تستوجبوا الذي وعدكم به من رحمته ومغفرته، فإن وعده حق، وقوله صدق، وعقابه شديد، وإنما أنا وأنتم بالله الحي القيوم، إليه ألجأنا ظهورنا وبه اعتصمنا، وعليه توكلنا، وإليه المصير، يغفر الله لنا وللمسلمين ". وتعبت قريش للقتال، والشيطان لا يفارقهم.
قال ابن سعد: وكان معهم ثلاثة ألوية: لواء مع أبي عزيز بن عمير، ولواء مع النضر بن الحارث، ولواء مع طلحة بن أبي طلحة، وكلهم من عبد الدار، وخرج الأسود بن عبد الأسد المخزومي، وكان رجلا شرسا سيئ الخلق فقال: أعاهد الله لأشربن من حوضكم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه، فلما خرج خرج إليه حمزة بن عبد المطلب، فلما التقيا ضربه حمزة فأطن قدمه بنصف ساقه، وهو دون الحوض، فوقع على ظهره تشخب رجله دما نحو أصحابه، ثم حبا إلى الحوض يريد بزعمه أن تبر يمينه - وفي لفظ: في جوف الحوض - فاتبعه حمزة حتى قتله دون الحوض، حتى وقع فيه فهدمه برجله الصحيحة، وشرب منه.
قال ابن سعد: وجاء عمير بن وهب فناوش المسلمين فثبت المسلمون على حقهم، ولم يزولوا، وشد عليهم عامر بن الحضرمي، ونشبت الحرب، فكان أول من خرج من المسلمين مهجع - بكسر الميم وإسكان الهاء فجيم مفتوحة فعين مهملة - ابن عائش بن عريف مولى عمر بن الخطاب، فقتله عامر بن الحضرمي.
وكان أول قتيل قتل من الأنصار حارثة بن سراقة، ويقال: قتله حبان بن عرقة - بفتح