يشير بيده: " هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان، إن شاء الله، فما تعدى منهم أحد موضع إشارته ". رواه الإمام أحمد ومسلم وغيرهما (1).
وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ببدر، وارتحلت قريش حين أصبحت، فأقبلت بحدها وحديدها تحاد الله عز وجل، وتحاد رسوله، وجاءوا على حرد قادرين، وعلى حمية وغضب وحنق على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لما يريدون من أخذ عيرهم وقتل من فيها، وقد أصابوا بالأمس عمرو بن الحضرمي وأصحابه والعير التي كانت معه، فجمعهم الله تعالى على غير ميعاد، كما قال تعالى: * (ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد، ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا) * [الأنفال 42] فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم تصوب من العقنقل - وهو الكثيب الذي جاءوا منه إلى الوادي - فكان أول من طلع زمعة بن الأسود على فرس له يتبعه ابنه، فاستجال بفرس يريد أن يتبوأ للقوم منزلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني، اللهم أحنهم الغداة ".
وقال صلى الله عليه وسلم لما رأى عتبة بن ربيعة في القوم على جمل أحمر: " إن يك في أحد من القوم خير فعند صاحب هذا الجمل الأحمر، إن يطيعوه يرشدوا، يا علي ناد حمزة - وكان أقربهم من المشركين - من صاحب الجمل الأحمر؟ " فقال: هو عتبة وهو ينهى عن القتال، ويأمر بالرجوع ويقول: يا قوم اعصبوها اليوم برأسي وقولوا: جبن عتبة، وأبو جهل يأبى.
وبعث خفاف - بضم الخاء المعجمة وفاءين - ابن إيماء - بهمزة مكسورة فمثناة تحتية ساكنة وميم ممدودة - ابن رحضة - بفتح الراء والحاء المهملتين والضاد المعجمة - أو أبوه [إيماء بن رحضة الغفاري] - وأسلم الثلاثة بعد ذلك - إلى قريش بجزائر أهداها لهم مع ابنه وقال: إن أحببتم أن نمدكم بسلاح ورجال فعلنا، فأرسلوا إليه مع ابنه أن وصلتك رحم، وقد قضيت الذي عليك، فلعمري لئن كنا إنما نقاتل الناس فما بنا من ضعف عنهم، ولئن كنا إنما نقاتل الله - كما يزعم محمد - فما لاحد بالله من طاقة.
فلما نزل الناس أقبل نفر من قريش حتى وردوا حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم، منهم حكيم بن حزام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعوهم، فما شرب منهم أحد إلا قتل، إلا ما كان من حكيم بن حزام، فإنه لم يقتل "، وأسلم بعد ذلك وحسن إسلامه، فكان إذا اجتهد في يمينه قال: لا والذي نجاني يوم بدر.
فلما اطمأن القوم بعثوا عمير بن وهب الجمحي - وأسلم بعد ذلك - فقالوا له: احزر لنا أصحاب محمد، فجال بفرسه حول العسكر ثم رجع إليهم، فقال: ثلاثمائة رجل، يزيدون قليلا