الناس، فتكلم المهاجرون فأحسنوا، ثم استشارهم، وفي رواية: فقام أبو بكر فقال فأحسن، ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن، ثم قام المقداد بن الأسود فقال: يا رسول الله امض لما أمرك الله، فنحن معك، والله ما نقول لك كما قال قوم موسى لموسى: (فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) [المائدة 24] ولكن اذهب أنت ربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، عن يمينك وشمالك، وبين يديك وخلفك، والذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى نبلغه، فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال له خيرا ودعا له.
وذكر موسى بن عقبة وابن عائذ: أن عمر قال: يا رسول الله: إنها قريش وعزها، والله ما ذلت منذ عزت ولا أمنت منذ كفرت، والله لتقابلنك، فأهب لذلك أهبته، وأعد لذلك عدته.
انتهى. ثم استشارهم ثالثا ففهمت الأنصار أنه يعنيهم، وذلك أنهم عدد الناس، فقام سعد بن معاذ، رضي الله عنه وجزاه خيرا، فقال: يا رسول الله، كأنك تعرض بنا. قال: أجل، وكان إنما يعنيهم لانهم بايعوه على أن يمنعوه من الأحمر والأسود في ديارهم، فاستشارهم ليعلم ما عندهم، فقال سعد: يا رسول الله قد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا، على السمع والطاعة، فامض لما أردت، ولعلك يا رسول الله تخشى أن تكون الأنصار ترى عليها ألا ينصروك إلا في ديارهم، وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم، فاظعن حيث شئت، وصل حبل من شئت، واقطع حبل من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وأعطنا ما شئت، وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت، وما أمرت فيه من أمر فأمرنا تبع لأمرك، فوالله لئن سرت حتى تبلغ البرك من غمدان - وفي رواية: برك الغماد من ذي يمن - لنسيرن معك، والله لو استعرضت بنا هذا البحر لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن نلقي عدونا غدا، إنا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقربه عينك، ولعلك خرجت لأمر فأحدث الله غيره، فسر بنا على بركة الله، فنحن عن يمينك وشمالك، وبين يديك وخلفك، ولا نكونن كالذين قالوا لموسى: (فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما متبعون فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسر بقول سعد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سيروا على بركة الله، وأبشروا، فإن الله تعالى وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الان أنظر إلى مصارع القوم، وكره جماعة لقاء العدو (1).
وروى ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: كان الله تعالى وعدهم إحدى الطائفتين، وكان أن يلقوا العير أحب إليهم وأيسر شوكة. وأحصى نفرا، فلما سبقت العير وفاتت