رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كسبايا الروم والترك والديلم من بلد إلى بلد، حتى أدخلوا على يزيد، إنه ما فعل فرعون ببني إسرائيل ما فعل هذا الملعون بأهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وما هو قد جاءه الله بكم وجاءكم به، ولا أنتم في بلدكم ولا هو في بلده، والله إني لأرجو أن يكون الله تعالى لم يجمع بينكم وبينه في هذا الموضع إلا لهلاكه وهلاك من معه من هؤلاء المحلين.
قال: ثم تقدم إبراهيم بن الأشتر قدام أصحابه فجعل يضرب بسيفه قدما قدما وهو يقول شعرا. قال: ثم حمل وحمل (1) معه أهل العراق بأجمعهم، ثم اختلط (2) القوم فاصطفقوا بالسيوف، وتطاعنوا بالرماح، وتراموا بالسهام، وجعل إبراهيم بن الأشتر يقول لصاحب رايته: تقدم بين يديك، فداك أبي وأمي ولا تجزع! فو الله ما أشبه هذا اليوم إلا بيوم الخميس وليلة الهرير بصفين. قال: فجعل صاحب راية ابن الأشتر يتقدم وأهل العراق يقاتلون ويتبعون الراية. قال: ونظر رجل من أهل الشام إلى صاحب راية ابن الأشتر فحمل عليه، والتقوا واعتنقوا وسقطوا جميعا عن فرسهم إلى الأرض، فجعل يقول هذا: اقتلوني وأين كذا وكذا! وهذا يقول: اقتلوني وأين كذا وكذا! فقتل الشامي وانفلت صاحب راية ابن الأشتر.
قال: وحان وقت الصلاتين جميعا الظهر والعصر، فما صلى القوم إلا بالإيماء والتكبير، حتى إذا كان في وقت اصفرار الشمس انهزام (3) أهل الشام نحو مدينة الموصل، وأخذهم السيف، والقوم ينهزمون والسيف في أقفيتهم، واختلط الظلام. ونظر إبراهيم بن الأشتر إلى رجل من القوم وعليه بزة حسنة، ودرع سابغ، وعمامة خز دكناء، وديباجة خضراء من فوق الدرع، وقد أخرج يده من الديباجة وفيها صفيحة له مذهبة. قال: فقصده ابن الأشتر لا لشيء إلا لتلك الصفيحة التي في يده والفرس التي تحته، حتى إذا لحقه لم يكذب أن ضربه ضربة فشرقت يداه وغربت رجلاه، واتكأ ابن الأشتر في ركابه فتناول الصفيحة، وغار الفرس فلم يقدر عليه! ولم يبصر الناس بعضهم بعضا من شدة الظلمة، فتراجع أهل العراق إلى عسكرهم والخيل لا تطأ إلا على القتلى.