المهلب. فلما دخل المهلب وسلم، رد عليه بشر السلام، ثم أمره بالجلوس فجلس، وكلمته امرأة بشر فقالت: أبا سعيد! إننا منك وأنت منا وإن كنا في غيرك، وهذا بشر بن مروان أخو أمير المؤمنين وشقيقه، وإن أخطأ فيك أمس فقد أصاب اليوم، وقد دعاك إلى أمر قد دعاك إليه من كان قبله، فأجبه إلى ما يدعوك إليه والسلام. قال فقال المهلب: إني قد سمعت كلامك أيتها المرأة! ولكن ليقل الأمير - أكرمه الله - ما أحب. قال: فتكلم بشر بن مروان فقال: أبا سعيد! لا تنظرن إلى ما كان مني بالأمس، فإن هذا العدو قد كلبوا على الأرض وقد نزلوا منزلهم الأول بأماني الشيطان، وليس لهم أحد سواك، وإنما تجيب أمير المؤمنين وتدفع عن مصرك، وتصلح أمرا قد أفسده غيرك، وقد حال ما كان في صدري من أمرك، فهات الآن ما عندك؟ فقال المهلب: أيها الأمير! إني قد علمت الذي كان في قلبك، والأمير أيده الله أهل أن يتفانى عنه (1) وإن كانت منه زلة، عندي أن أقاتل هذا العدو على ما قاتلتهم أمس. قال بشر: فلك إذا ما كان لأصحابك قبل اليوم، أعطيك وإن أردت المزيد بعد الوفاء. قال: فدعا بشر بخلعة فجعلها عليه وقلده سيفا وعقد له عقدا، فخرج المهلب من عند بشر بن مروان حتى صار إلى منزله، فلما كان من الغد نادى في الناس فجمعهم، ثم وضع لهم العطاء فأعطاهم وتجهز، وخرج من البصرة في عشرة آلاف رجل من قومه من الأزد ومواليهم وثمانية آلاف من أخلاط القبائل، ثم سار يريد الأهواز، ورحلت الأزارقة من الأهواز حتى لحقت بسابور فارس، ودخل المهلب إلى الأهواز فأقام بها ثلاثا، ثم رحل حتى نزل بمدينة رامهرمز (2) في جميع أصحابه.
قال: واعتل بشر بن مروان بالبصرة علة شديدة واستسقى بطنه فمات (3)، وبلغ ذلك المهلب فاغتم غما شديدا، وتفرق عنه عامة أصحابه فدخلوا البصرة، وبقي المهلب برامهرمز في زيادة على عشرة آلاف، فقام في الناس خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس! إن كنتم إنما تقاتلون هذا العدو لبشر بن مروان فقد مات بشر، وإن كنتم إنما تقاتلون لله فاثبتوا على ما أنتم عليه، فإن أمير المؤمنين حي