الامامة والسياسة - ابن قتيبة الدينوري ، تحقيق الزيني - ج ٢ - الصفحة ٦١
الأموال والزخرف، وهو على سرير بين دابتين، وعليه قبة مكللة باللؤلؤ والياقوت والزبرجد، ومعه الحبال، ولا يشك في أسرهم: فلما بلغ طارقا دنوه منهم، قام في أصحابه، فحمد الله، ثم حض الناس على الجهاد، ورغبهم في الشهادة، وبسط لهم في آمالهم. ثم قال: أيها الناس، أين المفر، البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، فليس ثم والله إلا الصدق والصبر، فإنهما لا يغلبان، وهما جندان منصوران، ولا تضر معهما قلة، ولا تنفع مع الخور والكسل والفشل والاختلاف والعجب كثرة. أيها الناس، ما فعلت من شئ فافعلوا مثله، إن حملت فاحملوا، وإن وقفت فقفوا، ثم كونوا كهيئة رجل واحد في القتال، ألا وإني عامد إلى طاغيتهم، بحيث لا أتهيبه حتى أخالطه أو أقتل دونه، فإن قتلت فلا تهنوا ولا تحزنوا، ولا تنازعوا فتفشلوا، وتذهب ريحكم، وتولوا الدبر لعدوكم، فتبددوا بين قتيل وأسير. وإياكم إياكم أن ترضوا بالدنية، ولا تعطوا بأيديكم، وارغبوا فيما عجل لكم من الكرامة، والراحة من المهانة والذلة، وما قد أجل لكم من ثواب الشهادة، فإنكم إن تفعلوا، والله معكم ومعيذكم، تبوءوا بالخسران المبين، وسوء الحديث غدا بين من عرفكم من المسلمين. وها أنا ذا حامل حتى أغشاه، فاحملوا بحملتي، فحمل وحملوا. فلما غشيهم اقتتلوا قتالا شديدا، ثم إن الطاغية قتل، وانهزم جميع العدو، فاحتز طارق رأس لذريق، وبعث به إلى موسى بن نصير، وبعث به موسى مع ابنه، وجهز معه رجالا من أهل أفريقية، فقدم به على الوليد بن عبد الملك، ففرض له في الشرف، وأجاز كل من كان معه، ورده إلى أبيه موسى، وأن المسلمين قد أصابوا مما كان مع لذريق ما لا يدرى ما هو ولا ما قيمته. قال: وكتب طارق إلى مولاه موسى: إن الأمم قد تداعت علينا من كل ناحية، فالغوث الغوث، فلما أتاه الكتاب نادى في الناس وعسكر، وذلك في صفر سنة ثلاث وتسعين، وكان أحب الخروج إليه يوم الخميس أول النهار، فاستخلف عبد الله بن موسى على أفريقية وطنجة والسوس، وكتب ساعة قدم عليه كتاب طارق إلى مروان، يأمره بالمسير، فسار مروان بمن معه، حتى أجاز إلى طارق، قبل دخول أبيه موسى، وخرج موسى بن نصير والناس معه حتى أتى المجاز، فأجاز بمن زحف معه في جموعه، وعلى مقدمته طارق مولاه، فوجد الجموع قد شردت إليه من كل مكان، فسار حتى افتتح قرطبة وما يليها، من حصونها وقلاعها ومدائنها، فغل الناس يومئذ غلولا لم يسمع بمثله (1)، ولم يسلم من الغلول يومئذ إلا أبو عبد الرحمن الجبلي. ثم إن موسى سار لا يرفع له شئ إلا هده، يفتتح له المدائن يمينا وشمالا، حتى انتهى إلى مدينة

(1) الغلول: هو أن يحتجز المحارب شيئا من الغنيمة لنفسه ولا يضعه مع باقي الغنائم ليقسم بين المحاربين.
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ذكر اختلاف الرواة في وقعة الحرة وخبر يزيد 3
2 ولاية الوليد المدينة وخروج الحسين بن علي 4
3 قتال عمرو بن سعيد الحسين وقتله 5
4 قدوم من أسر من آل علي على يزيد 6
5 إخراج بني أمية عن المدينة، وذكر قتال أهل الحرة 7
6 حرب ابن الزبير رضي الله عنهما 9
7 خلاف معاوية بن يزيد 10
8 غلبة ابن الزبير رضي الله عنهما وظهوره 11
9 حريق الكعبة - اختلاف أهل الشام على ابن الزبير 12
10 بيعة أهل الشام مروان بن الحكم - موت مروان بن الحكم 13
11 بيعة عبد الملك بن مروان وولايته 14
12 غلبة ابن الزبير على العراقيين وبيعتهم 15
13 بيعة أهل الكوفة لابن الزبير وخروج ابن زياد عنهما 16
14 قتال المختار عمرو بن سعد 19
15 قتل مصعب بن الزبير المختار بن أبي عبيد الله - خلع ابن الزبير 20
16 قتل عبد الملك عمرو بن سعيد 21
17 مسير عبد الملك إلى العراق 22
18 قتل مصعب بن الزبير - ذكر حرب ابن الزبير وقتله 23
19 ولاية الحجاج على العراقيين 25
20 خروج ابن الأشعث على الحجاج 26
21 حرب الحجاج مع ابن الأشعث وقتله 29
22 أسر عامر بن سعيد الشعبي 39
23 انهزام ابن الأشعث وقيام عبد الرحمن بن عياش 41
24 ذكر قتل سعيد بن جبير 42
25 ذكر بيعة الوليد وسليمان بن عبد الملك 44
26 موت عبد الملك وبيعة الوليد 46
27 تولية موسى بن نصير البصرة 48
28 دخول موسى بن نصير على عبد الملك بن مروان - تولية موسى بن نصير على إفريقية 49
29 خطبة موسى بن نصير رحمه الله - دخول موسى بن نصير إفريقية 50
30 خطبة موسى بإفريقية 51
31 فتح زعوان - قدوم كتاب الفتح على عبد العزيز بن مروان - إنكار عبد الملك تولية موسى بن نصير 52
32 جوابه - كتاب عبد العزيز بالفتح إلى عبد الملك - جوابه 53
33 فتح هوارة وزناته وكتامة - فتح صنهاجة 54
34 فتح سجوما 55
35 قدوم الفتح على عبد الملك بن مروان 56
36 غزوة موسى في البحر 57
37 غزوة السوس الأقصى 58
38 قدوم الفتوحات على الوليد بن عبد الملك - فتح قلعة أرساف 59
39 فتح الأندلس 60
40 اتهام الوليد موسى بالخلع - دخول وفد موسى على الوليد بن عبد الملك 62
41 ذكر ما وجد موسى في البيت الذي وجد فيه المائدة مع صور العرب - ذكر ما أفاء الله عليهم 63
42 غزوة موسى بن نصير البشكنس والإفرنج 64
43 خروج موسى بن نصير من الأندلس - قدوم موسى إفريقية 66
44 قدوم موسى إلى مصر - قدوم موسى على الوليد رحمهما الله 68
45 خلافة سليمان بن عبد الملك وما صنع بموسى بن نصير 69
46 عدة موالي موسى بن نصير 70
47 ذكر ما رآه موسى بالمغرب من العجائب 71
48 تولية سليمان بن عبد الملك أخاه مسلمة وما أشار به موسى عليه 72
49 سؤال سليمان موسى عن المغرب 73
50 ذكر قدوم موسى على الوليد 74
51 ذكر اختلاف الناقلين في صنع سليمان بموسى 77
52 نسخة القضية 77
53 ذكر يد موسى إلى المهلب 78
54 ذكر قتل عبد العزيز بن موسى بالأندلس 79
55 قدوم رأس عبد العزيز بن موسى عن أخباره وأفعاله 83
56 ذكر ولاة الأندلس بعد موسى بن نصير - ذكر حج سليمان مع عمر بن عبد العزيز 86
57 ما قال طاووس اليماني لسليمان بمكة 87
58 ذكر وفاة سليمان واستخلافه عمر بن عبد العزيز 92
59 أيام عمر بن عبد العزيز 96
60 ذكر قدوم جرير بن الخطفى على عمر بن عبد العزيز 97
61 وفاة الرشيد والمأمون خارج العراق - اتصال أشرار العراق بالأمين وإيغار صدره على أخيه الأمين 174
62 دخول المأمون قصر الخلافة وحبسه أخاه الأمين - هروب الأمين من السجن وقتله - تمام الكتاب 175